أرقام "استثنائية" تقلب المشهد… فرصة "ذهبية" للبنان إذا استُغلّت بشكل مستدام!



في ظلّ مؤشرات سياسية وأمنية إيجابية بدأت تنعكس على الداخل اللبناني، سجّل القطاع السياحي حركة لافتة عشية موسم الأعياد، ما أعاد بعض الحيوية إلى الأسواق بعد فترة طويلة من الجمود.

في هذا السياق، أكّد الخبير الاقتصادي أنيس أبو دياب،، أنّ المعطيات المتوافرة تُظهر بوضوح تحسّنًا تدريجيًا في الحركة السياحية اعتبارًا من 14 كانون الأول الجاري، لافتًا إلى أنّ الأجواء السياسية الإيجابية، المرتبطة بما تشهده فرنسا في ما يخصّ الجيش اللبناني، إضافةً إلى اجتماع "الميكانيزم"، أسهمت في خلق مناخ من الاستقرار الأمني انعكس تلقائيًا على هذا القطاع الحسّاس.

وأوضح أبو دياب أنّ السياحة تُعدّ من أكثر القطاعات تأثرًا بالوضعين السياسي والأمني، مشيرًا إلى أنّ هذا الاستقرار النسبي بدأ يُترجم عمليًا بزخم ملحوظ خلال موسم الأعياد، ولا سيّما في الفترة الممتدّة بين 23 كانون الأول و3 كانون الثاني، حيث يُتوقّع أن تصل نسب الإشغال والنشاط في القطاع المطعمي إلى حدود 100%.

وأضاف أنّ عدد الوافدين إلى لبنان يُرجّح أن يبلغ ذروته خلال هذه الفترة، مع تسجيل ما بين 18 و20 ألف وافد يوميًا عبر مطار رفيق الحريري الدولي، وتحديدًا بين 23 و31 كانون الأول، واصفًا هذه الأرقام بالاستثنائية، إذ تُشكّل زيادة تُقدَّر بنحو 70% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.

وأشار إلى أنّ المستفيد الأكبر من هذه الحركة هو القطاع الفندقي، إلى جانب القطاع المطعمي وقطاع الحلويات (الباتيسري)، فضلًا عن قطاع تجارة التجزئة، ولا سيّما الألبسة، في ظلّ الإقبال الكثيف على التسوّق خلال الأعياد. كما لفت إلى أنّ قطاع تأجير السيارات يشهد بدوره طلبًا مرتفعًا في هذه المواسم.

وتوقف أبو دياب عند معطيات مكاتب السفر التي تشير إلى حضور لافت للوافدين الخليجيين إلى جانب المغتربين اللبنانيين، معتبرًا أنّ هذا العامل يُشكّل عنصرًا إيجابيًا إضافيًا، نظرًا لما يتمتّع به السائح الخليجي من قدرة إنفاقية أعلى، ما يُسهم في تحريك الأسواق بوتيرة أسرع ويُعزّز الدورة الاقتصادية خلال فترة الأعياد.

وشدّد على أنّ حركة الوافدين الحالية تُشكّل دفعًا فعليًا للاقتصاد اللبناني، مشيرًا إلى أنّ شهر كانون الأول وحده يساهم بنحو 30% من الناتج المحلي المرتبط بقطاع التجارة، نتيجة الأعياد وارتفاع منسوب الاستهلاك.

إلّا أنّ أبو دياب أكّد في المقابل أنّ هذه الإيجابية تبقى ظرفية وغير مستدامة، في ظلّ بقاء السياحة في لبنان موسمية ومحصورة بفترات محدّدة، أبرزها مواسم الأعياد، ما يحول دون البناء عليها اقتصاديًا على المدى الطويل.

وأوضح أنّ التحوّل الحقيقي يقتضي الانتقال من سياحة موسمية إلى سياحة مستدامة، تقوم على روزنامة سنوية واضحة، يتحوّل فيها كل شهر إلى محطة جذب مختلفة، من سياحة التسوّق والمؤتمرات، إلى السياحة البيئية والثقافية، عبر برامج متكاملة ومخطّط لها مسبقًا.

وأشار إلى أنّ هذا النشاط، في حال جرى تطويره بشكل منهجي، قادر على تأمين تدفّق كبير من العملات الأجنبية يتجاوز 7 مليارات دولار سنويًا، ما يجعله عنصرًا داعمًا أساسيًا للاقتصاد الوطني. غير أنّ تحقيق ذلك يبقى مشروطًا بتأمين استقرار سياسي وأمني مستدام، وبيئة جاذبة للاستثمار.

وختم أبو دياب بالتأكيد على أنّ الركيزة الأساسية لأي نهوض اقتصادي حقيقي لا تكمن في القطاعات الموسمية، مهما بلغت أهميتها، بل في مسار إصلاحي شامل ومستدام، يرتكز على حوكمة الدولة، ومحاربة الفساد، وانتظام عمل المؤسسات العامة، وبناء اقتصاد شرعي واحد، لا اقتصادين متوازيين.