حين يصبح اللبناني هو النازح في وطنه..


د. ليون سيوفي 
باحث وكاتب سياسي 

بعد أكثر من عام على سقوط النظام في سوريا، لم يعد السؤال إنسانيًا ولا إغاثيًا، بل سياديًا بامتياز...ماذا يفعل أكثر من مليونين سوري في لبنان حتى اليوم؟ ولماذا يُفرَض على اللبناني وحده أن يدفع ثمن حرب انتهت، ونظام سقط، ومعارضة فرحت… ثم بقيت؟
الرواية التي شُيِّد عليها النزوح كانت واضحة، خوف، قمع، حرب، ونظام.
لكن هذه الرواية انهارت تباعًا، قسم كبير ممّن نزحوا عاد وانتخب الأسد رئيسًا.
ومن بقي، خرج إلى الشوارع مهلِّلًا وموزِّعًا الحلوى بعد سقوطه.
أي أن سبب النزوح السياسي والأمني سقط.
ومع ذلك، لم يسقط النزوح.
هنا لا بد من قول الحقيقة بلا مواربة، ما يجري اليوم في لبنان لم يعد نزوحًا، بل إقامة طويلة الأمد خارج أي إطار قانوني أو سيادي، تُدار بقرارات دولية لا لبنانية، وبصمت رسمي يرقى إلى التواطؤ.
من نازحين إلى واقع مفروض، النازح يفترض أن يكون، مؤقتًا، مرتبطًا بظرف طارئ، وينتهي بزوال الخطر.
لكن الواقع اليوم مختلف، عمل دائم. مدارس وجامعات، ولادات بلا سقف، مساعدات دولية تفوق ما يحصل عليه المواطن اللبناني.
أي أننا أمام مجتمع كامل يُزرَع داخل دولة منهكة، من دون قرار، ولا خطة، ولا مساءلة.
لماذا يُصرّ العالم على إبقائهم في لبنان؟
لأن لبنان ببساطة تحوّل إلى منطقة عازلة تحمي أوروبا من موجات الهجرة وساحة ضغط سياسية على سوريا والمنطقة، ومختبر ديمغرافي تُدار نتائجه ببطء.
الحديث عن “حقوق الإنسان” جميل في الخطاب،لكن الحقيقة أن الدول الكبرى لا تريدهم عندها، وتريدهم حيث لا صوت سياديًا قادرًا على الرفض.
ولماذا لا تطلب سوريا عودتهم؟
لأن الملف بالنسبة لها ورقة تفاوض، وعبء اقتصادي، ومسألة سياسية مؤجَّلة.
لكن السؤال الأخطر ليس عن دمشق…
بل عن بيروت.
أين الدولة اللبنانية؟
الدولة اللبنانية، لم تُجرِ إحصاءً حقيقيًا.
لم تضع سياسة عودة واضحة.
لم تميّز بين نازح، عامل، ومقيم غير شرعي.
ولم تجرؤ على قول “كفى”.
فكانت النتيجة كارثية ، اللبناني بات ينافس على لقمة عيشه،روعلى المدرسة والمستشفى، وعلى الماء والكهرباء، وعلى الأمان الاجتماعي.
وأصبح يشعر، للمرة الأولى في تاريخه، أنه هو النازح في وطنه.
إلى متى؟
إلى أن يحدث أحد أمرين لا ثالث لهما، إمّا قرار سيادي لبناني شجاع يضع حدًا لهذا النزيف، وينظّم العودة الآمنة بالتنسيق لا بالخضوع.
وإمّا انفجار اجتماعي لن يرحم أحدًا، ولن يُفيد منه أحد.
قضية النزوح السوري لم تعد قضية تعاطف، بل قضية وجود.
لبنان ليس مخيّمًا دائمًا، ولا دولة بديلة، ولا مستودع فشل إقليمي ودولي.
وأي سلطة تخاف الخارج، وتتجاهل شعبها، وتؤجّل القرار، تحكم على اللبناني أن يعيش غريبًا في وطنه.
وهذا، أخطر أشكال الانهيار..