التعافي الاقتصادي في 2026 ممكن شرط تنفيذ هذه الإصلاحات!


لن يكون الوضع الاقتصادي في لبنان في 2026 منفصلاً عن القرارات السياسية والاقتصادية التي ستُتخذ من قبل المسؤولين، ومدى دفعهم لتطبيق إصلاحات جادة لم يتم مقاربتها بشكل حقيقي في العام 2025، ما انعكس على معدلات النمو التي لم تتجاوز 3 بالمئة (بحسب مركز أبحاث بنك بيبلوس)، في حين أن توقعات البنك الدولي كانت تشير إلى إمكانية وصولها إلى 6 بالمئة.

العام 2026 قد يحمل “تعافياً محتملاً” يعتمد على تطبيق إصلاحات تبدأ بإقرار موازنة تحسّن الإيرادات الضريبية وتزيد الشفافية، مع توقعات بنمو مدفوع بالسياحة والاستهلاك يتراوح بين 4 و5 بالمئة بحسب البنك الدولي، لكن هذا التعافي يواجه تحديات كبيرة تتعلق بأزمة الودائع، وضعف القطاع المصرفي، والحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة لضمان استدامة النمو واستعادة الثقة.

في حال تحققت الإصلاحات المطلوبة عربياً ودولياً، وتوفر الاستقرار الأمني، أي في حال لم يحصل عدوان إسرائيلي جديد على لبنان، هناك توقعات بنمو اقتصادي يقوده الاستهلاك والسياحة، وتحسن مالي من خلال تحقيق فوائض أولية في الموازنة، وتحسن في إدارة الإنفاق، مع ضغط لزيادة الإيرادات عبر تحسين الجباية الضريبية وتفعيل تحصيل إيرادات الأملاك العامة، واستقرار نسبي لليرة إذا تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتطبيق برنامج الإصلاح، واستعادة الثقة الدولية إذا تم تطبيق إصلاحات هيكلية (مثل حصر السلاح بيد الدولة، حل أزمة الودائع، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي).

غبريل: خطاب القسم خريطة طريق للعام 2026 وما بعده

يشرح رئيس مركز الأبحاث في بنك بيبلوس، الخبير الاقتصادي نسيب غبريل أن “لا سيناريو واحداً في العام 2026، فبناءً على التطورات التي حصلت في العام 2025، التي بدأت بشكل جيد جداً مع انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، وإطلاقه خطاب القسم الذي شكّل رؤية مقبلة للعهد خلال السنوات الست القادمة، وتشكيل سريع للحكومة، والدعم العربي والدولي الدبلوماسي والسياسي للسلطات اللبنانية، توقّع اللبنانيون المقيمون والمغتربون تحسناً ملحوظاً في الوضع الاقتصادي، وهذا ما لم يحصل، سواء على المستوى المعيشي أو تحسن الخدمات العامة ونوعيتها وكلفتها عليهم، أو حل سريع لملف السلاح”، مشيراً إلى أنه “حصلت خطوات إصلاحية في 2025، ولكنها كانت أبطأ مما هو متوقع، لذلك يجب أن تكون 2026 ترجمة للتحضيرات التي قام بها المسؤولون اللبنانيون في 2025، حيث كان السيناريو متفائلاً بتطبيق الإصلاحات الجذرية، لكن الإجراءات كانت متباطئة، وهذا ما انعكس على الوضع الاقتصادي، حيث كانت التوقعات أن يصل النمو في 2025 إلى نحو 6 بالمئة، ولكن برأيي لم يتعدَّ 3 بالمئة”.

يضيف: “الإجراءات الإصلاحية المطلوب تنفيذها في 2026 لا تتجزأ، بل تشمل الأمن والسياسة والقضاء والاقتصاد، بمعنى آخر أن تبسط الدولة اللبنانية سيطرتها على كافة الأراضي اللبنانية، بدءاً من النقاط الخمس المحتلة من قبل العدو الإسرائيلي في الجنوب، وتنفيذ مطلب حصرية السلاح بشكل واضح ونهائي بيد الدولة وعلى كافة الأراضي اللبنانية، وتطبيق القرارات الدولية بأن يكون قرار الحرب والسلم بيد الدولة”، لافتاً إلى أنه “من الناحية الدبلوماسية يجب في 2026 العمل على تحسين العلاقة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية، التي لا تزال تعاني حتى اليوم من شوائب لم تُعالج بشكل مقنع، بما يعيد فتح أسواقها واستثماراتها أمام لبنان ورفع الحظر عن سفر مواطنيها إليه، وقضائياً يجب التركيز على استقلالية القضاء وفصل السلطات، والإسراع في الإجراءات القضائية وتفعيل القضاء”.

يشير غبريل إلى أنه “من ناحية المالية العامة يجب مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، والتهريب عبر الحدود بالاتجاهين، وإعادة هيكلة القطاع العام، وتنشيط قطاعات منتجة مثل الكهرباء والمياه والمطارات التي تشكل عبئاً على الخزينة، لتحسين خدماتها وتقليل الكلفة على المواطن، ومكافحة اقتصاد الظل لإخراج اسم لبنان عن اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي، ولائحة الاتحاد الأوروبي للبلدان المرتفعة المخاطر من ناحية تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”، مشدداً على أنه “من الناحية المصرفية يجب سحب قانون تحديد مصير الودائع (الفجوة المالية) لإعادة صياغته ليكون مقنعاً ويؤدي إلى صدمة إيجابية واستعادة الثقة، بدلاً من هذا المشروع غير المستند إلى أرقام، والذي لا يفي بالغرض الذي أقرته الحكومة، والمعرض للطعن فيه بسبب الغموض الذي يعتريه، وبات على الدولة أن تعترف بمسؤوليتها عن الأزمة، وهذا ما يشكّل صدمة إيجابية ويساهم في استعادة الثقة ويؤكد على حكم القانون”.

يجزم غبريل أن “الثقة برئيس الجمهورية لا تزال مرتفعة جداً، واستطلاعات الرأي تظهر هذا الأمر، ولذلك يجب أن يكون خطاب القسم خريطة طريق للعام 2026 وما بعده، وعلى الحكومة الحالية والمقبلة أن تستمر بتطبيق هذه الرؤية بإجراءات عملية تخدم المواطن، والثقة، والقطاع الخاص، والاقتصاد اللبناني، وتعيد لبنان إلى الخريطة الاقتصادية والمالية والاستثمارية الإقليمية”.

ويختم: “السيناريو الثاني لما ينتظرنا في 2026 اقتصادياً هو أن نبقى في التردد والغموض اللذين اتسمت بهما سنة 2025، ويبقى النمو بنسبة 3 بالمئة من دون استثمارات عربية ودولية، أما السيناريو الأسوأ فهو حرب إسرائيلية، وهو ما لا نتمناه، لكنه بالتأكيد سيقوّض الحركة الاقتصادية، ويؤدي إلى تجميد كل الإجراءات التي تم التحضير لها في العام 2025”.