لا صفقة ولا مقايضة في ملف نوح زعيتر



إن توقيف نوح زعيتر يشكل مؤشراً إضافياً إلى المرحلة الجديدة التي دخلها لبنان منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024. وفي الإطار نفسه، يندرج إطلاق سراح هنيبعل القذافي، وإقفال معامل الكبتاغون، وانتخاب رئيس للجمهورية بعد أكثر من سنتين من الشغور. كما يصبّ في الخانة ذاتها قبول "الثنائي الشيعي" بنوّاف سلام رئيساً للحكومة، وبحكومة من دون ثلث معطِّل، وعدم الإستقالة منها بعد صدور قرارات في 5 و 7 آب التي تطوي صفحة ماضية استمرّت لأربعين عاماً.

فلولا الحرب الأخيرة التي رسمت موازين قوى جديدة، ولولا سقوط النظام السوري السابق، لما تمّ توقيف نوح زعيتر، ولا إطلاق سراح هنيبعل القذافي، ولا إقفال أكثر من 30 معمل كبتاغون خلال شهر واحد، ولا إحباط تهريب نحو 8 ملايين حبة كبتاغون خلال الأسابيع الأخيرة، ولما تمّ انتخاب رئيس للجمهورية.

ما يحصل في لبنان عملياً، يندرج في إطار التحوّل البطيء في المشهد السياسي، وهذا التحوّل مردّه إلى النتائج التي ترتّبت على حرب الإسناد، وأيضاً لجهة الحرب التي خيضت منذ فترة على شبكات المخدّرات والتهريب ومصانع الكبتاغون والخارجين عن القضاء والقانون.

وبالتالي، يخطئ كثيراً من يعتبر أن تهاوي هذه الشبكات هو نتيجة صفقة أو مقايضة عنوانها التخلّي عن المخدرات مقابل الإحتفاظ بالسلاح، ويجزم وزير سابق، أن ما من صفقة أو مقايضة، بل تهاوٍ تدريجي للمظلّة التي كانت قائمة والتي شكّلت غطاءً لكل أنواع الممنوعات، وما إن تراجع دورها حتى بدأت بالتفكّك والسقوط.

ولن يتوقّف مسار الدولة، يتابع الوزير السابق، عند إغلاق معامل الكبتاغون وتفكيك شبكات المخدرات والتهريب، بل سيتواصل حتى حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، وهذا ما تطرّق إليه رئيس الجمهورية في كلمته في ذكرى الإستقلال بالأمس.

وبالتوازي مع الحملة العسكرية على الممنوعات، فمن الواضح، بحسب الوزير نفسه، أن لبنان دخل في مسار متشدِّد مالياً وعسكرياً، وغالباً ما تقاس بعض الأحداث بميزان ما قبلها وما بعدها، وهذا ما ينطبق، على ما يبدو، على زيارة وفد الخزانة الأميركية إلى بيروت، إذ أن الحزم في الإجراءات المالية والعسكرية في الأسابيع الماضية، يشكل الضمانة لسلامة المؤسسات، بمعزلٍ عن الإعتبارات السياسية والحملات الداخلية والإقليمية التي تأتي على هامش أي تدابير في هذا السياق، والتي تؤكد أن الإجراءات المالية الإضافية المتّخذة لوقف التهريب والتبييض وتنظيم القطاع المالي وضبطه بدأت تحقِّق نتائج ملموسة.

ولطالما شكّل العامل المالي للحزب عنصر قوة أساسية موازية للسلاح، إذ يعتبر الوزير السابق، أنه وفّر له شبكة واسعة من الولاءات تبدأ من بيئته ولا تنتهي بالذين يدورون في فلكه، ما يفسِّر الخشية اليوم من أن يؤدي الحصار المالي إلى تفكُّك دوائر نفوذها وتفسُّخ روابطها وابتعاد شرائح واسعة من بيئتها عنها، في لحظة حصار عسكري وقرارات رسمية ودعوات إلى حصر السلاح والإنخراط بالعمل السياسي كما سائر الأحزاب.

ومن هذا المنظار، يستنتج الوزير السابق، أن الإجراءات الأخيرة على خطّ الحرب على المخدرات وتبييض أموالها لم تكن لتأخذ طريقها إلى التنفيذ لو لم يدخل لبنان في مرحلة مختلفة عن السابق، والإنطباع اليوم أنه، وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين الذين زاروا بيروت أخيراً، قالوا إن إدارتهم غير راضية عن التأخير بتطبيق قرار حصر السلاح غير الشرعي الذي اتخذته الدولة في 5 آب، أو عن الإصلاحات على أكثر من مستوى، إلاّ أن الإنجازات التي تحقّقت على جبهة المخدرات، تحظى بالرضى الكامل، ليس فقط أميركياً بل عربياً أيضاً.