اكتشف خطر “البيجر”.. أسرار مثيرة عن ياسر عرفات في لبنان





نشر موقع “التلفزيون العربي” تقريراً جديداً كشف فيه عن أسرار مثيرة تتعلق بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وذلك خلال حقبة وجوده في لبنان بين عامي 1970 و 1982.


وتحدث التقرير عن مع القيادي الفلسطيني غسان عبد الغني الذي كان مقرباً جداً من عرفات وواكبه خلال مسيرته في لبنان قبل أن يُغادر الأخير بيروت عام 1982 مع مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في ظل الاجتياح الإسرائيلي للبنان آنذاك.

ويقول عبد الغني إن عرفات كان مُشرفاً عاماً على كل ما يتصل بالساحة الفلسطينية في لبنان، موضحاً أنّه في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية، وأثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978، أمر بتطوير القوى العسكرية الفلسطينية واستقدام أسلحة جديدة مضادة للدروع، بالإضافة إلى أوامر بالحصول على طائرات.

“سر البيجر”

ويتحدث عبد الغني عن سرّ لا تعرفه إلا قلّة ممن واكبوا عرفات، ويقول: “عام 1980، وصلت إلى منظمة التحرير 5 أجهزة بيجر، أحضرها القيادي في حركة فتح خليل الوزير المعروف بأبي جهاد. حينها، عُقد اجتماع للاطلاع على هذه الأجهزة، وطُلب من مختصين داخل الحركة فحص جهاز واحد قبل استخدام الأجهزة كاملة. في ذلك الوقت، رفض أبو عمار استخدام تلك الأجهزة بشكل كامل، قائلًا إنّها قد تكون غير آمنة، وقد تُستخدم في عمليات تفجير أو اغتيال. كان حريصًا على الابتعاد عن أي أدوات إلكترونية متطورة، باعتبار أنّ التكنولوجيا ليست بيدنا بل بيد العالم الغربي، وبالتالي فإنّ الخرق عبر تلك الأدوات سيكون كبيرًا، وهذا ما كان عرفات متنبهًا له بشدة”.

ووفق عبد الغني، فقد أدرك أبو عمار خطورة أجهزة “البيجر” مبكراً ورفض استخدامها، معتبراً أنّها قد تكون غير آمنة وقابلة للاستغلال في عمليات اغتيال أو تفجير.


وفي أيلول 2024، شهد لبنان، ضمن سياق زمني وتقني مختلف، انفجار أجهزة “بيجر” كانت بحوزة عناصر من “حزب الله”، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى.

وقد نُفذت تلك العملية بتخطيط من إسرائيل التي أقرت رسميًا بتنفيذها، فيما أفادت تقارير عديدة بأن شحنة تلك الأجهزة كانت مُفخّخة، ما أدى إلى انفجارها.

ودخلت عملية تفجير أجهزة “البيجر” التاريخ بوصفها حدثًا مفصليًا في مسار الصراع بين لبنان وإسرائيل، وعلى ضوئها استعاد عبد الغني حادثة “أبي عمار” مع “البيجرات”، مشيرًا إلى أنّ الأخير أدرك خطورة هذه الأجهزة قبل عقود طويلة.


ومن بين التفاصيل التي رواها عبد الغني، بحسب التقرير، أنّ عرفات نام في أحد الأيام داخل سيارته قرب برج المر الشهير في وسط بيروت، خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 6 حزيران 1982.

ووفق عبد الغني، فإنّ “أبا عمار” لم يكن لديه مكان محدّد للإقامة، بل كان ينتقل من مكان إلى آخر، ويقضي الليل في منازل مختلفة تعود لأفراد وعناصر ومقرّبين من منظمة التحرير الفلسطينية. ويضيف: لم يكن لدى أبي عمار فرق أمنية خاصة لمواكبته؛ كان يكتفي بعدد قليل من المرافقين، وكان يُصرّ على التنقل بسيارة واحدة. وذات مرة، أصيبت مركبته بشظية إثر قصف استهدف منطقة السفارة الروسية في بيروت”.


ويكشف عبد الغني أنّه عندما شنّت إسرائيل اجتياحها للبنان في 6 حزيران 1982، كان “أبو عمار” في المملكة العربية السعودية، فعاد على عجل إلى بيروت، موضحاً أن منظمة التحرير كانت تمتلك مكتباً أساسياً في محيط منطقة الجامعة العربية في بيروت، عُرف باسم “المكتب 17″.

في الأيام الأولى للاجتياح، لم يتوجّه عرفات إلى ذلك المكتب، لأن المنطقة المحيطة به كانت تتعرض لقصف عنيف من الطائرات الإسرائيلية، ما دفع المنظمة إلى افتتاح مكتب آخر في منطقة برج أبو حيدر في بيروت عُرف بـ”مكتب عمليات 5”.


أيضاً، افتتحت المنظمة مكاتب أخرى في منطقتي الحمرا وفردان، وكان “أبو عمار” يتنقل بينها ويمكث في الملاجئ التابعة لها، حيث يعقد اجتماعاته ويُجري اتصالاته.

شابات ينقلن رسائل عرفات

يقول عبد الغني إنّ أرشيف عرفات الكامل كان موجودًا داخل مبنى في منطقة الفاكهاني في بيروت. ويكشف أنّه حين تقرر خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في أغسطس 1982، جرى نقل الأرشيف على دفعات داخل حقائب، وعبر دراجات نارية باتجاه السفارة الفرنسية في بيروت، تمهيدًا لترحيله إلى خارج لبنان.

ويوضح أنّ هذا التفصيل لا يعرفه كثيرون، كاشفًا عن سرّ آخر يتعلق بمراسلات “أبي عمار”: “كانت هناك صعوبة في إرسال مراسلات التفاوض بين أبي عمار والجهات التي يتواصل معها، وخصوصًا ما يتعلق بمسألة خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. فكانت المراسلات الورقية تُنقل من شخص إلى آخر، مع نقاط محددة لتسلم الأوراق من كل حاملٍ لها، ونقلها إلى الأطراف الأخرى”.


وخلال خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، جرى نقل أرشيف عرفات على دفعات داخل حقائب وعبر دراجات نارية باتجاه السفارة الفرنسية في بيروت لترحيله إلى خارج البلاد.

كذلك، يشير عبد الغني إلى أنّ طالبات من الجامعة الأميركية في بيروت، كنّ يؤيدن الثورة الفلسطينية، تولين نقل رسائل عرفات، مشيرًا إلى أنّ المنظمة كانت تستعين بهؤلاء الشابات المتعلمات لترجمة البيانات والمراسلات الأجنبية، كما كانت تستعين بموظفين من منظمة “اليونيسيف”.

حصار بيروت.. “أبو عمار” يتابع كل شيء

بعد احتلالها لبنان، فرضت إسرائيل حصارًا مركزًا على بيروت، فقُطعت المياه والكهرباء عنها. في تلك المرحلة، أراد “أبو عمار”، وفق عبد الغني، مواجهة تبعات الحصار، فكان يُتابع كل شاردة وواردة تتعلق بتأمين احتياجات الناس من مياه ومواد أولية. ويضيف: “كلّفني أبو عمار بشراء مولّدات لضخ المياه من الآبار، كما أمر بشراء مخزن يتضمّن الطحين والسكر لتوزيعها على الناس”.

خروجُ منظمة التحرير علناً وبالسلاح في الأيدي رسّخ صورةً أرادها ياسر عرفات لختام مرحلة بيروت، في حين تركت مجزرة صبرا وشاتيلا أثراً نفسياً وسياسيًا بالغاً على خياراته اللاحقة.

“بيجاما واحدة فقط”

من الأسرار التي يرويها عبد الغني عن “أبي عمار” ما يتعلق بـ”بيجاما” النوم الخاصة به، إذ يكشف أنّ الزعيم الفلسطيني لم يكن يمتلك سوى بدلة نوم واحدة وذلك خلال وجوده في تونس بعد الخروج من بيروت، ويقول: “ذات مرة، وخلال وجودنا في المنزل، سألتني العاملة إن كانت بدلة النوم الخاصة بأبي عمار والمعلقة على الخزانة بحاجة إلى تنظيف. قلت لها إن تقوم بتنظيفها، وهذا ما حصل. بعد وقت قصير، دخل أبو عمار إلى غرفته وفوجئ بعدم وجود بدلته، وسأل عنها، فقيل له إنّها تُنظف. عندها قال إنّه لا يملك غيرها، وبقي بملابسه الداخلية داخل الغرفة ريثما أصبحت البدلة جاهزة للارتداء مجدداً”.

“محفظة أبو عمار”.. مقتنيات زهيدة

عام 2004، وقبيل وفاته في 11 تشرين الثاني، تدهورت الحالة الصحية لأبي عمار، ومكث في أحد المستشفيات الفرنسية. وخلال صراعه مع المرض، لم تنقطع خطوط تواصله مع معارفه ورفاقه.

ويقول عبد الغني إنّه اتصل يومًا مع معاونه المقرّب الموجود إلى جانب عرفات في المستشفى، ويضيف: “سمعت أبا عمار يسأل عن اسم المتصل، فأبلغه مساعده بأن المتحدث هو أنا. عندها، بادر أبو عمار إلى الحديث معي، وسألني عن أحوالي وماذا أفعل. وبعد يوم واحد من هذا الاتصال، تدهورت حالته الصحية أكثر، قبل أن يتوفاه الله”.


ويضيف عبد الغني أنّه بعد وفاة عرفات عام 2004، اطّلع على محفظته الخاصة، فاكتشف أنّ قيمة المقتنيات الموجودة فيها لا تناهز 100 دولار، وقال: “من بين تلك المقتنيات كان هناك شيء مهم وبارز، هو سند ملكية باسم والدة أبي عمار يعود لأرض صغيرة في القدس. عدا ذلك، لم يكن لدى أبي عمار أي شيء يُذكر”.

التقرير يختم بالقول إن “الأسرار المرتبطة بأبي عمار تكشفُ عن شخصية فريدة، وتُظهر من جهة صفات القائد الحريص على شؤون شعبه، وتُبرز من جهة أخرى جانباً إنسانياً يُحتذى به”، وأضاف: “أما رحلته في بيروت، التي استمرت قرابة 12 عاماً، فقد تركت أثراً كبيراً في الذاكرة اللبنانية، تماماً كما شكّلت فصلاً حاسمًا في بناء أسلوب قيادته، إذ تشير مجمل الوقائع والشهادات إلى أنّ ياسر عرفات في لبنان كان قائداً عملياً شديد الحذر، يوازن بين العمل العسكري والتنظيمي والخدمة اللوجستية للمدنيين”