الممرض شعيتو: من إعجابات فايسبوك إلى عميل للموساد





حكمت المحكمة العسكرية، برئاسة العميد وسيم فياض، بالسجن سبع سنوات على محمد قاسم شعيتو (مواليد 1995)، ابن بلدة الطيري الجنوبية والمقيم في بلدة الخرايب، بعد إدانته بالتعامل مع العدو الإسرائيلي بين عامي 2023 و2024. وما إن أوقفته شعبة المعلومات في 20 شباط 2024، حتى تحول اسمه إلى مادة مشتعلة على مواقع التواصل الاجتماعي.


 

 

 

التجنيد المألوف

 

بداية القصة جاءت على النمط المألوف لعمليات التجنيد التي ينفذها الموساد عبر “فايسبوك”. إعجابات عابرة على إعلانات سيارات ومطاعم، قبل أن تصل، في آذار 2023، رسالة عبر “ماسنجر” من شخص يُدعى توم، يقدّم نفسه موظفاً في “جمعية خيرية” تدّعي مساعدة المحتاجين بالمال أو الوظائف، ولها مركز في زحلة.

باللهجة اللبنانية، بدأ توم يسأل عن الاسم، العمر، الطائفة، المهنة، ومن يسيطر سياسيًا على الشارع في منطقته. محمد، العاطل عن العمل والأعزب، لم يتردد في الإجابة. بعد أيام، أحال توم التواصل إلى زميله أمير، “مندوب الجمعية” المزعوم. البداية كانت بمبلغ 500 دولار عبر “البريد الميت” في منطقة الحدث، تلاها عرض أكبر: المال مقابل العمل الميداني.

المهام الأولى كانت بمثابة اختبار ولاء، جولات على محال في صور والنبطية، رصد تقسيماتها الداخلية، نقاط الحراسة، وكاميرات المراقبة… وكل ذلك مع تعليمات صارمة بعدم لفت الأنظار أو إثارة الشبهات.


 

بعد سلسلة اختبارات، أبلغه “أمير” أنه راضٍ عن أدائه. حينها طلب محمد من مشغّله مساعدة مالية لمعالجة أسنانه، وبعد أسبوع طلب منه التوجه إلى جونية حيث قبض أربعة آلاف دولار من شخص مجهول. عندها كلّفه “أمير” بـ”مهمة صعبة ومعقّدة” مقابل أجر مجزٍ: شراء شريحة هاتف غير مسجّلة باسمه، وجهاز أندرويد مزود بكاميرا جيدة وبطارية تدوم طويلاً، وتدريبه على استخدام الخرائط من دون إنترنت وكيفية الوصول إلى مواقع من خلال الصور. أول تطبيق عملي كان إحداثيات في منطقة الرميلة، حيث كان بانتظاره مبلغ من المال.


 


 

 

حرب وعمالة

 

خلال السابع من أكتوبر، زوّده المشغّل بإحداثيات موقعين جغرافيين في بلدة الخرايب، تفصل بينهما مجموعة كبيرة من المحال التجارية، طالبًا منه جمع معلومات عن هذه المحال وأصحابها. محمد نفّذ المهمة، صوّر المعارض والمحال المستهدفة، ومنها معرض سيارات، ومحال لبيع الهواتف الخلوية، والعطورات، والورود، إضافة إلى ميني ماركت. كما كُلّف بمراقبة محل لبيع الهواتف في بلدة الصرفند، لكنه رفض تنفيذ المهمة قبل تقاضي مبلغ إضافي.

 

إلى جانب ذلك، طلب منه المشغّل أسماء منتسبين لحزب الله في الخرايب، فزوّده بستة أسماء، ثم أرسله لرصد إحداثيات مركز في المطرية، ومسجد الإمام علي مع صوره وكاميرات المراقبة، إضافة إلى حسينية البلدة. وفي المحصلة، بلغ مجموع ما تقاضاه محمد 7500 دولار، إضافة إلى 4000 دولار كان يفترض أن تصله عبر “البريد الميت” في الرميلة لكنه لم يجدها.

 

بعدها، تلقى الطلب بإعادة تفعيل عضويته في حزب الله التي كان قد جمّدها بعد انتقاله من بيروت إلى الجنوب. أجرى اتصلين مطوّلين، استمر كل منهما ثلاث ساعات، مع “أمير” وبحضور شخص قدّمه على أنه “المسؤول” ولا يتقن العربية. خلال هذين الاتصالين، كشف محمد عن خضوعه لدورات “جنود”، و”أنصار”، و”إسعاف مقاتل”، وعن مشاركته في القتال في سوريا، وعمله حارسًا في مستشفى الرسول الأعظم قبل أن يصبح ممرضًا فيه. كما أفصح عن تفاصيل عمله الحزبي، وأسماء المسؤولين عنه، وأسمائهم الحركية، ومواصفاتهم، وأعمارهم، والمناطق التي ينتمون إليها، مشيرًا إلى أنه نسي رقمه المالي في الحزب.

 

مع اشتداد الحرب، كثّف المشغّل ضغطه عليه مع إعطائه تعليمات أمنية مشددة، منها استخدام VPN أثناء التواصل، وتفعيل وضعية الطيران قبل الوصول إلى أي موقع هدف، وإرسال تقارير دقيقة عن الحواجز في المنطقة: مواقعها، الجهة المسؤولة عنها (الأمن الداخلي، الجيش، اليونيفل، أو حزب الله)، عدد العناصر، الأسئلة المطروحة عند التوقيف، وطبيعة التعامل مع السيارات التي تقل عائلات أو أجانب، وما إذا كان السكان المحليون يبدون ريبة تجاه الغرباء.


 

لاحقًا، عرض عليه المشغّل الانتقال إلى إسرائيل عبر الشريط الحدودي، للتدريب أسبوعين على جهاز إلكتروني، لكنه رفض خوفًا من انكشاف أمره، فاقترح “أمير” لقاءه في دولة أخرى، إلا أن ذلك لم يتم لتوقيفه.

 

 

 

المرافعة

 

في جلسة المرافعة، دافعت المحامية فاديا شديد عن موكّلها، معتبرة أن “الإعلام ضخّم القضية وصوّرها كأنها السبب في اندلاع الحرب، في حين أن موكلي أخطأ بالفعل لكنه وقع في شباكهم”. وأضافت: “لم يُقدّم أي معلومات دقيقة أو أي معلومات أمنية تتعلق بأشخاص أو مناطق، وخصوصًا في الخرايب، إذ إنه غير منتمٍ للحزب ولا يملك معرفة بما يجري داخل بيئته التنظيمية”. وأشارت إلى أنه “عدل عن التواصل معهم وقطع الاتصال، وبعد نحو سنة أوقف على خلفية خلاف شخصي مع بعض العناصر الحزبيين بسبب علاقة تربطه بسيدة”. كما شددت على أن “التناول الإعلامي للملف القضائي ألحق به ضررًا كبيرًا وبعائلته، الذين تم طردهم من منزلهم، الأمر الذي اضطرني لتأجيل المرافعة عدة مرات”