د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي
يعيش المواطن في دولٍ كثيرةٍ شعوراً غريباً، إذ يرى السّياسي يتصرّف كأنّه سيّد الأمّة، وكأنّ قراره وحي منزلٍ لا يُناقَش. وكأنّ على النّاس أن يصفّقوا له صباحاً ومساءً، حتّى لو قادهم إلى الجوع والانهيار. هؤلاء السّياسيون ينسون أو يتناسون أنّ حقيقتهم أبسط ممّا يظنّون: موظّفون عند الشّعب، يُفترض بهم أن يعملوا لخدمته لا لاستعباده.
لكن ما يحصل مختلفٌ تماماً. تراهم يتكلّمون من على المنابر بلهجة الواثق المتعالي، بينما الواقع يكشف أنّ فشلهم يتكرّر في الاقتصاد والسّياسة والأمن والتّعليم. ومع ذلك يصرّون على أن يمشي الشّعب خلف “حكمتهم” المزعومة. أيّ حكمةٍ تلك الّتي أوصلت البلاد إلى الإفلاس، والشّعب إلى طوابير الذّلّ؟
ألسّياسي عندنا يشبه ممثلاً كوميدياً رديئاً، يُعيد المشهد المسرحي نفسه منذ سنوات “أنا المنقذ، أنا المخلّص”. والجمهور مرغمًا أو مخدوعًا يصفّق من جديد. ولو كان في بلدٍ يحترم نفسه، لكان مكانه الطّبيعي قفص الاتّهام لا المنصّة.
ما أجمل الدّولة الّتي يُحاكم فيها السّياسي الفاشل كما يُحاكم أيّ موظّفٍ سرق أو أهمل! دولةٌ يُسقط فيها القضاء القداسة عن كلّ مسؤولٍ، فيسقط القناع، ويُعرّى السّياسي أمام النّاس. حينها فقط يصبح الشّعب حراً، ويصبح القرار وطنياً حقيقياً.
ألطّريق إلى الحلم من النّقد إلى الفعل...
هذا الحلم لن يتحقّق بالشّعارات وحدها، بل يحتاج إلى ثلاث خطواتٍ عمليةٍ...
قضاءٌ مستقلٌّ بالكامل فلا يُعيّن قاضي بمرسومٍ سياسيٍّ ولا يُعزل بقرارٍ سياسيٍّ، بل يكون سلطةً حقيقيةً تحاسب الجميع.
قانونٌ يرفع الحصانات فلا نائب ولا وزير ولا رئيس يختبئ وراء “قدسية المنصب”، بل الجميع سواسية أمام القانون.
والأهمّ شعبٌ يرفض الصّمت، فحين يدرك النّاس أنّ الصّمت مشاركةٌ في الجريمة، يصبح الشّارع أقوى من المنبر، وصوت المواطن أعلى من صوت الزّعيم.
عندها فقط يُعاد تعريف السّياسي... لا سيّد ولا زعيم منزَّه، بل موظّف عاديّ قد يُكافأ إن نجح، ويُحاكم إن خان أو فشل.