د. ليون سيوفي – باحث وكاتب سياسي
غداً، يصل إلى بيروت علي لاريجاني، المستشار البارز للمرشد الأعلى في إيران، في زيارة ليست عاديةً لا من حيث التّوقيت ولا من حيث المضمون. فهي ليست بروتوكولاً دبلوماسياً روتينياً، بل خطوةً مدروسةً بعنايةٍ، محمّلةً برسائلٍ مباشرةٍ وملفّاتٍ شديدة الحساسية.
لاريجاني لا يأتي بصفته وزير خارجية يطرق الأبواب وفق الأعراف، بل بصفته ناقلاً لرسالةٍ سياسيةٍ استراتيجيةٍ من طهران إلى المراجع العليا في لبنان. رسالته الأولى تثبيت التزام إيران بدعم المقاومة، ليس فقط في بعدها العسكري، بل أيضاً في بعدها السّياسيّ والرّمزي.
أمّا الرّسالة الثّانية، فهي التّأكيد أنّ طهران تريد أن تواكب الميدان اللّبنانيّ بخطٍّ سياسيٍّ يضبط الإيقاع، لتفادي انزلاق السّاحة إلى مواجهةٍ شاملةٍ لا تريدها الآن.
كذلك، تحمل الزّيارة بُعداً ثالثاً ،جسّ نبض الدّاخل اللّبناني، وقياس مدى استعداد الدّولة اللّبنانية، أو بعض أركانها، لتقبّل دورٍ إيرانيٍّ أوسع في أيّ ترتيباتٍ تخصّ مرحلة ما بعد الحرب أو مسار التّهدئة.
فزيارة كبير مستشاري المرشد الإيراني، إلى لبنان ستحمل عدّة رسائلٍ وأهدافٍ، من أبرزها دعم المقاومة، تأكيد دعم إيران لحزب الله ورفض أيّ محاولاتٍ لنزع سلاحه، خاصّةً في ظلّ الضّغوط الأمريكيّة والإسرائيليّة.
إعادة تصويب الموقف الإيرانيّ، لاريجاني يهدف إلى تصحيح التّصريحات السّابقة لوزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي ورئيس مجلس الشّورى محمد باقر قاليباف، والّتي قد فُسّرت على أنّها تراجعٌ عن دعم حزب الله.
تعزيز العلاقات بين إيران ولبنان، خاصّةً في ظلّ التّحدّيات الإقليميّة والدّولية.
ألتّصدّي للضّغوط الخارجيّة، إيران ترسل رسالةً واضحةً إلى الولايات المتّحدة وإسرائيل بأنّها لن تتراجع عن دعمها لحزب الله في مواجهة الضّغوط.
فطبيعة الملفّات الّتي جاء بها لاريجاني، ووزن موقعه السّياسيّ، تضعه خارج القناة الدّبلوماسيّة التّقليديّة. هو يتوجّه مباشرةً إلى صانعي القرار الفعليّين، رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النّواب، ورئيس الحكومة.
إنّها إشارةٌ واضحةٌ من طهران بأنّها ترى المراكز الحقيقيّة لصناعة القرار خارج إطار وزارة الخارجيّة، وأنّ ما تحمله الزّيارة يتجاوز المسار الدّبلوماسيّ المعتاد إلى المسار السّياسيّ الأمنيّ المباشر.
ألسّؤال وهو ما قد يُخفى خلف الكواليس؟
خلف الأبواب المغلقة، قد يتمّ التّطرّق إلى ما هو أبعد من مجرّد الدّعم السّياسي أو الميداني. هناك همسٌ في الكواليس عن صفقةٍ كبرى قد تُطرح مستقبلاً منها وقف إطلاق النّار بضماناتٍ دوليةٍ مع انسحابٍ إسرائيليٍّ من بعض النّقاط الحدوديّة ونقاش حول مستقبل سلاح المقاومة، وربما وضعه تحت مظلّة الجيش اللّبناني.
في المقابل، دخول إيران على خطّ الدّعم الاقتصادي، عبر مشاريعٍ وإعادة إعمارٍ، لكسر الحصار الاقتصادي الّذي يعيشه لبنان.
كما أنّ توقيت الزّيارة يكتسب أهميةً خاصّةً، فهو يأتي وسط تحرّكاتٍ أميركيةٍ وأوروبيةٍ نشطةٍ، في محاولةٍ لرسم خطوط ما بعد الحرب.
وهنا، تريد إيران أن تضع بصمتها على الطّاولة قبل أن يُرسم أيّ اتفاقٍ لا يراعي مصالحها أو مصالح حلفائها.
سواء أفضت الزّيارة إلى نتائجٍ عمليةٍ أم لا، فإنّ مجرّد قدوم شخصيةٍ سياسيةٍ من هذا الوزن، في هذا التّوقيت، هو رسالةٌ بحدّ ذاته:
إيران حاضرةٌ بقوّةٍ في المشهد اللّبناني، ولن تسمح بعزل المقاومة أو تهميشها، وهي طرفٌ لا يمكن تجاوزه في أيّ معادلةٍ تخصّ الجنوب أو الأمن الإقليميّ.
في المحصّلة، ألزّيارة ليست حدثاً عابراً، بل هي حلقةٌ في سباقٍ مفتوحٍ بين القوى الدّولية والإقليميّة لرسم مستقبل لبنان.
والسّؤال الّذي يبقى مفتوحاً, هل نحن أمام خطوةٍ نحو التّسوية، أم أمام تثبيت مواقع قبل جولة تصعيدٍ جديدةٍ؟