فضيحة في الاتصالات: ألياف ضوئية حصرية في نادي فقرا لشركة محظية بامتيازات وزير!



"ليبانون ديبايت"

منذ سنوات، يُنظر إلى نادي فقرا على أنه كيان خاص يتصرف وكأنه "دولة داخل الدولة"، مستندًا إلى شبكة علاقات متشعبة مع قوى سياسية نافذة، الأمر الذي مكّنه من الحصول على امتيازات خاصة، وفرض واقع يسمح له بتنفيذ مشاريع وإبرام صفقات بمعزل عن الرقابة الفعلية للسلطات الرسمية. هذه البيئة المغلقة وفّرت أرضية مثالية لخدمات وامتيازات حصرية، كان آخرها مشروع مدّ شبكة ألياف ضوئية داخل نطاق النادي لتقديم خدمة عامة لا يجيزها القانون إلا بترخيص، وهو المشروع الذي فجّر موجة من التساؤلات والشبهات حول دور وزير الاتصالات شارل الحاج وعلاقته المباشرة أو غير المباشرة بشركات مقرّبة منه.

رغم أن وزارة الاتصالات ترفع شعار "تحقيق الشفافية أمام الرأي العام"، فإن المتابعين يرون أن هذا الشعار تحيط به علامات استفهام كبيرة، خصوصًا في ظل ما تبقى من عمر الحكومة، الذي لن يتجاوز بضعة أشهر، وفي ضوء القرارات الأخيرة في ملف الاتصالات، وعلى رأسها ملف ألياف نادي فقرا – كفر ذبيان.

المشروع الذي تولّت تنفيذه شركة Connect، من خلال التعاقد مع شركة Solipro، وهي الشركة التي تدير نادي فقرا وتقدم خدماته، نصّ على إطلاق خدمة الإنترنت السريع عبر الألياف الضوئية، لكن حصريًا لصالح شركة Connect، ما يعني منع أي شركة أخرى من استخدام هذه الشبكة لتقديم الخدمة. وقد اعتُبرت هذه الخطوة نموذجًا لاحتكار النفوذ وضرب المنافسة، والأهم أنها تتنافى مع ما يُطبّق في مناطق أخرى، حيث جرى مدّ شبكات من قبل شركات خاصة، لكن الوزارة أجبرتها على تخصيص أكثر من نصف السعات لصالح "أوجيرو"، بينما ما قامت به Solipro وConnect يحرم الخزينة من إيرادات، ولا يقدم لـ"أوجيرو" أي سعات، ويحرم المشغّل الرسمي من تقديم خدماته في نادي فقرا، في تصرّف غير مسبوق لم يحصل في أي منطقة لبنانية أخرى.

المفارقة أن هذه الخطوة تتناقض مع مضمون كتاب رسمي وجّهه الوزير الحاج بنفسه إلى وزير الداخلية بتاريخ 27 حزيران 2025، دعا فيه إلى التشدد بملاحقة أي جهة تقوم بمد أو إنشاء شبكات إنترنت دون ترخيص أو إذن خطي من وزارة الاتصالات، مؤكدًا أن الوزارة هي الجهة صاحبة الحق الحصري في تقديم خدمات الهاتف والإنترنت، وأن أي توزيع للخدمة من دون تراخيص يشكل مخالفة صريحة للقوانين ويؤدي إلى حرمان خزينة الدولة من الرسوم المستحقة، فضلًا عن مخاطر أمنية.

هذا التناقض بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية على الأرض يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: ما هي المعايير التي اعتمدتها الوزارة لمنح الإذن لشركة Connect لتنفيذ المشروع في نادي فقرا؟ ولماذا رُفضت طلبات شركات أخرى لمد شبكات ألياف بصرية في مناطق مختلفة؟ وهل حصلت الشركة فعليًا على الموافقات القانونية المطلوبة، أم أن التنفيذ جرى خارج الإطار القانوني الذي ترفع الوزارة شعار الالتزام به؟ وهل ستحصل "أوجيرو" على ضعف السعات التي حصلت عليها Connect كما هو معمول به في مشاريع أخرى نفذتها شركات خاصة؟

مصدر متابع وصف ما يجري بأنه "مخالفة واضحة للقانون من قبل الوزير الحاج، وعلى مرأى من القضاء الذي لا يحرك ساكنًا"، مشيرًا إلى أن Solipro وConnect تمدّان شبكة ألياف ضوئية في نطاق جغرافي تتوزع ملكيته بين عدة أشخاص، ما يجعله مشابهًا لأي حي سكني آخر، ويؤكد غياب مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة بين الشركات.

وتتعمق الشبهات أكثر عند التطرق إلى ملف تضارب المصالح، إذ تكشف وثائق وتحقيقات أن الوزير الحاج شغل حتى 10 شباط 2025، أي قبل تعيينه وزيرًا، منصب رئيس مجلس إدارة Mada Communications، وهي إحدى الشركات الأساسية ضمن مجموعة XOL Holding التي تضم أيضًا شركتي Mada/Waves SAL وConnect. كما أن ناصيف بشارة، المدير العام السابق لشركة Mada International (2011–2025)، يشغل حاليًا منصب المدير التنفيذي لشركتي Mada/Waves وConnect، ويُعتبر الذراع الإداري المستمر لمصالح الوزير.

وبعد تعيينه وزيرًا، عيّنت Mada إيلي الحاج، صهر الوزير، مديرًا تنفيذيًا للمجموعة خلفًا له، من دون أي إعلان عن إجراءات قانونية تفصل بين موقعه الوزاري وحقه الاقتصادي في هذه الشركات. والأخطر أن أشخاصًا من دائرته المقربة استمروا في تقديم طلبات رسمية إلى الوزارة، ما يُبقي شبهة تضارب المصالح قائمة، ويكشف عن خلل حوكمي عميق في إدارة المرفق العام.

في المحصلة، ما يجري في فقرا ليس مجرد مشروع تقني لخدمة الإنترنت، بل هو نموذج واضح لكيفية تداخل النفوذ السياسي بالمصالح التجارية، في بيئة مغلقة تحوّلت إلى "دولة داخل الدولة"، حيث تغيب الشفافية وتختل المنافسة، وتتقدم المصالح الخاصة على المصلحة العامة.

نادي فقرا الاتصالات شركة Connect وزير الاتصالات شارل الحاج Solipro

مكتب وزير الاتصالات يوضح: لا علاقة للوزير شارل الحاج بمنح أي ترخيص محل نزاع
مكتب وزير الاتصالات يوضح: لا علاقة للوزير شارل الحاج بمنح أي ترخيص محل نزاع