غزة تُذبح… والعرب يدفنون رؤوسهم في العار
د. ليون سيوفي – باحث وكاتب سياسي – مرشّح سابق لرئاسة الجمهورية اللبنانية
منذ أكثر من تسعة أشهر، وغزّة تحترق، تُقصف ليلًا ونهارًا، تُقطع عنها الكهرباء والماء والدّواء، وتُدفن عائلاتٌ بأكملها تحت الرّكام. أطفالٌ يُنتشلون من بين الأنقاض بلا أطراف، أمّهاتٌ يُقطّعن، وأحياءٌ تُباد من الخريطة، فيما العرب… صامتون، ساكنون، خانعون.
أيّ عارٍ هذا الّذي نعيشه؟
أي خنوعٍ هذا الّذي حوّل أمّةً كانت تُرعب الإمبراطوريات إلى خيالٍ هزيلٍ يلهث خلف الرّضا الأمريكي والتّمويل الغربي؟
أيّ جامعةٍ عربيةٍ هذه الّتي لا تجتمع إلا لالتقاط الصّور وقراءة بياناتٍ مكرّرةٍ جوفاء؟
بل أيّ “زعماء” هؤلاء الّذين لا يجرؤون على رفع إصبعهم في وجه القاتل الصّهيوني، لكنّهم يستأسدون على شعوبهم ويغدرون بمقاوميهم؟
لماذا لم تقم حتى اليوم وقفةٌ عربيةٌ واحدة –واحدة فقط – لنصرة غزة؟
لماذا لم نرَ مظاهرةً رسميةً تنظّمها دولةٌ عربية، لا مجرّد حناجر حرّة تقمعها الشّرطة سريعًا؟
هل بات الدّم الفلسطيني أرخص من أن يُذكر، أم أنّ غزة كُتب عليها أن تكون قربانًا لبقاء “القيادة العربية” في كراسيها المهترئة؟
غزة لا تطلب من العرب جيوشًا، ولا دباباتٍ، ولا طائرات.
غزة تطلب وقفةً، كلمةً، مظاهرةً، قطيعةً مع العدو، طردًا لسفارة، خطوةً تحفظ ما تبقّى من ماء وجه.
لكن يبدو أنّ قادة العرب تبلّدوا حتّى في الشّعور، وتحوّلت كراسيهم إلى مقابر أخلاقيةٍ لا تفرّق بين العار والمصلحة.
غزة اليوم تُدينهم.
غزة تُحاكمهم في صمتها وصمودها.
وكلّ قطرة دمٍ تُسفك هناك، إنّما تُكتب في سجلاتهم.
سيأتي يومٌ ولن يطول يُسألون فيه...أين كنتم حين كان الأطفال يُشوَون في الأفران الصّهيونية؟
هل ستنفعهم اتفاقيات الغاز والتّطبيع؟
هل ستنفعهم ابتسامات بايدن ونظرات نتنياهو؟
أمّا نحن الشّعوب، فرُبّ صرخة واحدة تُربك حساباتهم.
ورُبّ صوت حرّ أقوى من ألف دبابةٍ خائنة.
فلتشهد غزّة أنّ من بيننا من لم يصمت، ولم يبع، ولم يركع.
ولتعلم أنّ جرحها في قلوبنا، وأنّ دماءها وصمةٌ على وجوه من سمّوا أنفسهم “قادة الأمة”.
وإلى أن يتحرّر الأقصى، ستبقى غزة هي الكاشفة، الفاضحة، الطّاهرة…
وستبقى كراسيهم مغطاةً بغبار الخيانة حتى يُقلب عليها الزّمان..
لكنّ الخوف كلّ الخوف… أن يُكتب للبنان أن يكون هو البديل عن غزة، فيدفع شعبه ثمن اللّعبة ذاتها، وبالأيدي نفسها.