اخبار الصحف اليوم







النهار 



هل تغيرت السياسة المصرية إلى حد الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة على خلفية رفض مصر خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين وتبنيها خطة بديلة لإعادة إعمار غزة وبقاء أهلها في القطاع؟ أم أن الأسلوب تغيّر منذ تولي الدكتور بدر عبد العاطي مسؤولية وزارة الخارجية المصرية؟

 

الواضح أن مصر انتقلت، عند التعاطي مع القضايا الإقليمية والدولية، من "الديبلوماسية الناعمة" التي كان يعتمدها الوزير السابق سامح شكري، وتقوم على الرصانة وعدم الاشتباك (السياسي) إلا للضرورة القصوى وتفادي الرد على الادعاءات والمزاعم باعتبار أن الحقائق ستفرض نفسها، إلى "الديبلوماسية الخشنة" التي تعتمد على المواجهة. 

 

السياسة واحدة لكن شخصية وطباع الوزير والمحكات التي مر بها تحدد الأسلوب والآليات وطرق التعامل، فالسياسة الخارجية لأي دولة غالباً ما تحافظ على ثوابتها الاستراتيجية، لكن الأسلوب والنهج يعتمدان بشكل كبير على شخصية الوزير وتجاربه السابقة. والوزير عبد العاطي، لمن يعرفه وتعامل معه، يتسم بالمرونة والتلقائية وسرعة البديهة، ويعتمد الأسلوب الديناميكي والمواجهة إلى درجة التحدي، وسد الفجوات إلى درجة التلويح بالصدام.

 

للديبلوماسية المصرية تاريخ عريق تأسس على تحقيق المصالح المصرية والعربية دون المساس بالثوابت الوطنية، والتعامل مع المتغيرات والتطورات والمخاطر بقدر كبير من الواقعية دون اندفاع أو تباطؤ، لكن الديبلوماسية المصرية تعرضت لاختبارات صعبة عبر المحكات مع أطراف عدة إقليمياً ودولياً، كما ظلت لسنوات في مرمى هجمات تنظيم "الإخوان" ومنصاته وحلفائه، خصوصاً تعامل الإعلام “الإخوانجي” مع الموقف المصري الصارم مع القضية الفلسطينية، الذي رسخ القناعات بأن أهداف "الإخوان" لا تتسق مع المصالح الفلسطينية وإنما استغلال كل أزمة عربية من أجل الإساءة إلى الأنظمة واستغلالها لإشاعة الفوضى وبث الفتن، فلجأ التنظيم إلى معايرة الحكم في مصر بأنه يتعامل مع "حماس الإرهابية"، دون أن يلوم الحركة وقادتها! وكذلك تحريض الشعوب العربية ضد الحكم في مصر، وإقناع عناصر "الإخوان"، ممن صدقوا يوماً أن مرسي سيعود إلى القصر يوم الأحد، أن الرجل لم يعد بسبب عداء مصر لـ"حماس" والفلسطينيين فعادت مصر وبقوة إلى ممارسة ما تعتبره واجباً يحقق الأمن القومي العربي، وهو دور ظلت تضطلع به على مدى عقود في التعاطي مع القضية الفلسطينية حتى لو كان ذلك الدور يقتضي منها التعامل مع "حماس" التي لم تستنكر يوماً هجمات "الإخوان" على الديبلوماسية المصرية. 

 

ولم ينس المصريون أن كل هؤلاء ظلوا يعزفون على أنغام سيمفونية قبول مصر تهجير فلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء، وروجوا سيناريوات ضلوع الرئيس السيسي في مخطط التهجير مقابل أموال خليجية ورعاية أميركية ومباركة أوروبية، بينما كان الرجل وكل المسؤولين والأجهزة المصرية والوطنيين من أبناء الشعب المصري ينفون تلك الأكاذيب ويفضحون كل الفبركات والادعاءات. وبعد اتفاق وقف إطلاق النار، يعكس التحول من "الديبلوماسية الناعمة" إلى "الديبلوماسية الخشنة" في عهد الوزير عبد العاطي إدراكاً بأن المرحلة الحالية تتطلب حضوراً أكثر قوة وتأثيراً في المشهدين الإقليمي والدولي، علماً بأن المرونة والتحدي في العمل الديبلوماسي يمكن أن يكونا سلاحاً ذا حدين، فقد يحققان نتائج سريعة في بعض الملفات، لكنهما قد يخلقان أيضاً توترات غير ضرورية إذا لم يُحسنا التوظيف


 

من المهم أن يظل هذا التوجه متوازناً بحيث يحافظ على مكتسبات الديبلوماسية المصرية التقليدية، التي لطالما اتسمت بالحكمة والقدرة على المناورة، دون أن تفقد زخمها في مواجهة التحديات الحالية. لكن يبقى سؤال مهم: هل هذا التغيير في الأسلوب سيساهم في تعزيز نفوذ مصر ديبلوماسياً أم أنه قد يواجه بعض العقبات؟

 

التعامل مع أفكار ونهج دونالد ترامب يتطلب ديبلوماسية مرنة ولكن حازمة، خاصة أن ترامب يتميز بأسلوب غير تقليدي في السياسة الخارجية، يعتمد على الصفقات والمواقف المتغيرة والمباشرة أحياناً إلى حد الصدام.

 

 إذا استمرت الديبلوماسية المصرية بأسلوبها الحالي القائم على "الديبلوماسية الخشنة"، فقد يكون لذلك مزايا، خاصة في التعامل مع إدارة ترامب التي تميل إلى احترام المواقف القوية والحاسمة، ويمكن أن يساهم ذلك في تعزيز نفوذ مصر إقليمياً، خصوصاً كلما نجحت القاهرة في تقديم نفسها كوسيط رئيسي في الملفات المهمة مثل القضية الفلسطينية، والعلاقات مع إسرائيل، والأوضاع في ليبيا، وملف سد النهضة.

 

في المقابل، قد يواجه هذا النهج بعض العقبات، خصوصاً إذا تصادمت المصالح المصرية مع أولويات ترامب، كما يحدث في خطته لتهجير الفلسطينيين، وهو لا يتردد في ممارسة ضغوط اقتصادية وسياسية حتى على حلفائه لتحقيق مكاسب سريعة، كما أن شخصيته، غير المتوقعة، قد تجعل من الصعب الاعتماد على استراتيجية ثابتة في التعامل معه، وقد يكون من الأفضل أن تجمع الديبلوماسية المصرية بين الحزم الديبلوماسي والمرونة الاستراتيجية، نظراً لأسلوبه القائم على الصفقات، والمواقف المتغيرة، والضغوط المباشرة حتى على الحلفاء