دروز الجولان يزورون شيخ عقل الطائفة في الأراضي المحتلة


في زيارة هي الأولى منذ نحو 50 عاما وصل الجولان السوري الذي تحتله “إسرائيل” عشرات رجال الدين والوجهاء من أبناء طائفة الموحدين الدروز للقاء الشيخ موفق طريف شيخ عقل الطائفة في الكيان المحتل.

والزيارة التي وصفت بـ” الدينية” ليست بعيدة عن التطورات المتسارعة في سوريا منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في الثامن من كانون الأول من العام 2024، وهي زيارة لم يكن أحد ليتصور حدوثها في ظل نظام حكم البعث الذي جرّم كل شخص أو مجموعة سورية تتعامل مع العدو تحت أي عنوان كان.


وتأتي الزيارة بعد تصريحات غير مسبوقة لشيخ عقل الطائفة في سوريا الشيخ حكمت الهجري الذي وصف يوم الخميس الحكومة في دمشق بأنها “متطرفة ومطلوبة للعدالة الدولية” مؤكدا أنه “لا وفاق ولا توافق مع السلطات في دمشق”، ومتعهدا بـ”العمل بما هو مناسب للطائفة الدرزية”.
وبالتزامن مع تصريحات الشيخ الهجري أعلن وزير الخارجية الصهيوني جدعون ساعر إرسال آلاف الطرود من المساعدات الإنسانية إلى أبناء الطائفة الدرزية في سوريا.

وسبق ذلك قيام “إسرائيل” بفتح الباب أمام عمل السوريين الدروز في الجولان السوري المحتل مقابل أجرة تبلغ مئة دولار امريكي في اليوم الواحد، وهو مبلغ يفوق راتب الموظف السوري لشهرين ونصف.

وتصريحات الشيخ الهجري بشأن العلاقة مع دمشق جاءت فيما كانت الأنظار تتجه نحو إبرام الدروز اتفاقية مشابهة لتلك التي وقعها رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع مع قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على الثروات النفطية والزراعية شمال شرقي البلاد، ليبدو المشهد وكأن الدروز آثروا التريث في الأمر قبل إبرام أية اتفاقية مع دمشق لا تعطيهم الضمانات الكافية المتعلقة بخصوصيتهم كطائفة يحق لها المشاركة في الحكم على النحو الذي تستحقه.

ومنذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد أثير العديد من التساؤلات حول مصير الأقليات في سوريا ومنها طائفة الموحدين الدروز التي عرفت كيف تحيد نفسها خلال سنوات الأزمة، فلم تنخرط في صفوف المعارضة، بل أبقت على مسافة من النظام استطاعت من خلالها إدارة شؤونها وفق الظروف والإمكانيات المتاحة قبل أن تستمر في القطيعة التدريجية معه.

ويحمل أبناؤها السلاح لتشكيل لجان محلية عهدت إليها حماية المناطق الدرزية التي لم تسلم من هجمات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وجبهة النصرة بين عامي 2012 و 2015.

لكن التطور الأبرز في سياق إعلان القطيعة مع النظام كان في العام 2023 حين نظم جزء من دروز السويداء مظاهرات احتجاجية وبتشجيع من المرجعيات الروحية- ما خلا الشيخ يوسف الجربوع المؤيد للنظام – للمطالبة علنا بإسقاط الأسد وكانت ساحة الكرامة قرب ضريح قائد الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين سلطان باشا الأطرش مسرحا لهذه الاحتجاجات.

فيما جاء إعلان “تل أبيب” عن نية الاحتلال “الدفاع عن دروز سوريا” إلى جانب التوغل المتواصل في مناطق الجنوب السوري ضمن مناطق تواجد الدروز ومحيطهم الجغرافي لتسهم في تعقيد المشهد أكثر فأكثر بالنسبة إلى أبناء الطائفة.

وأكد الناشط السياسي وابن مدينة السويداء رامي عبد الحق أن الاتصالات بين المرجعيات الروحية في السويداء والإدارة الجديدة في دمشق حصلت بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد مباشرة.

وفي حديث ” أشار عبد الحق إلى أن مخاوف الدروز بشأن العلاقة مع حكام دمشق الجدد المنحدرين من خلفية أصولية متشددة مشروعة للغاية على اعتبار أن معظم قادة السلطة الجديدة ينتمون إلى هيئة تحرير الشام التي سبق لها وأن هاجمت السويداء تحت مسمى هيئة النصرة التي قادها في ذلك الوقت أبو محمد الجولاني قبل أن يستعيد اسمه الحقيقي لاحقا ويصبح احمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية.

وأضاف أن ذلك لا يعني إغلاق الباب على أية حالة تفاوض مع حكومة الشرع لكن ذلك يستدعي إثبات حسن النوايا من جانبه تجاه الدروز وباقي الأقليات، مشيرا إلى أن هامش الثقة الذي راح يتشكل عقب استقبال الشرع لوفود درزية من السويداء ولبنان سرعان ما تبدد مع “حملة الإبادة ضد العلويين” التي حصلت في الساحل السوري الأمر الذي دفع الدروز إلى إعادة النظر والتريث في كل خطوة يخطونها في هذا الشأن .
وشدد الناشط السياسي على أن موقف رئيس طائفة الموحدين الدروز في السويداء الشيخ حكمت الهجري كان واضحا منذ البداية حين أرسل رسالة إلى أحمد الشرع عبر مقابلة إعلامية طالبه فيها بـ”التشاركية في الحوار والأفكار” لحين تجاوز المرحلة الانتقالية بنجاح و”تأمين المرحلة المقبلة التي يجب أن تكون أكثر دقة إضافة إلى بناء قاعدة متينة لسوريا المستقبل”.

وأشار عبد الحق إلى أن حديث الرئيس الشرع خلال لقائه مع وفد من الطائفة الدرزية عن “ضرورة أن تبقى سوريا موحدة وأن يكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد إجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية”، لم يترجم سلوكا عمليا على أرض الواقع في ظل احتكار السلطة الجديدة لكل شيء ورفضها التشاركية المطلوبة في الوطن.

وإصرارها على تقديم شخصيات لم تخف خطابها المتشدد ضد الأقليات بمن فيهم الدروز ومبادرتها إلى تحويل هذا الخطاب إلى دم مسفوح سواء في الساحل حيث انتهكت حرمات العلويين والمسيحيين والسنة المعتدلين بدرجة أقل أو حتى على مستوى دروز إدلب الذين سبق وأن هجرتهم جبهة النصرة تحت زعامة الجولاني نفسه وارتكبت بحقهم مجزرة فظيعة لم يخفف من وقعها اعتذار الجولاني في حينه وتعهده برد المظالم والاعتبار لهم وهو ما لم بحصل إلا على نطاق ضيق للغاية.

وأضاف الناشط السياسي حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن كل هذه التجارب المريرة مع المنظمات الجهادية الإسلامية سواء أكانت في موقع الثورة أو السلطة دفعت الشيخ الهجري لإطلاق موقف حازم يجزم فيه بعدم جدوى الحوار مع هؤلاء ما لم يكن القانون العادل هو الضامن وهو ما لم يحصل في مسودة الإعلان الدستوري التي تمهد لعهد جديد يكون فيه الشرع والمتشددون الإسلاميون من حوله أصحاب الأمر والنهي في بلد متنوع لا يمكنه أن يقبل اللون الواحد حاكما بأمره في سوريا.