الدكتور جيلبير المجبر
مضى أسبوع على تسمية القاضي نوّاف سلام لتشيكل حكومة العهد الأولى ، وكان هذا التكليف نتيجة مشاورات مُلزمة أجرها الرئيس جوزاف عون والتي أفضتْ إلى التكليف ، أعلم أنّ الكثيرين من اللبنانيين ينتظرون تشكيل هذه الحكومة على قاعدة الديمقراطية والتغيير الجذري وعدم المحاصصة على ما كان يحصل سابقًا . كنتُ في جولة على بعض مراكز اللبنانيين المنتشرين هنا في فرنسا وتبيّن لي أنّ أغلبية الذين زرتهم غير مقتنعين ويشككون بنوايا ساسة لبنان فيما خص إستقلالية التشكيل ، ويزعمون أنهم سمعوا لا بل لاحظوا أنّ ساسة لبنان مستعدين للمخاطرة بمستقبل لبنان والعهد الجديد م أجل إعادة تشكيل الحكومة على قواعد كانتْ منتهجة في السابق .
بهذه الملاحظات رجعتُ إلى مكتبي الباريسي متخوفًا مما سمعته ، وأعتقد أنّ الخطوة المشكو منها ستُعيد الفوضى والصدمات المفاجئة والممارسات المتهورة التي تعبث بالأمن اللبناني وبالسياسة والإقتصاد والمال والأوضاع الإجتماعية . ولا أخفي أنني سمعتُ أحد الفقهاء اللبنانيين هنا في فرنسا يهمس في أذن أحد الزائرين ما حرفيته " إذا تعارضت مفسدتان روعيَ أعظمها ضررا بإرتكاب أخفها " ، معتبرا أنّ المُساكنة مع الخبث السياسي "حلال " ... لكن الحقيقة في حال صدقت هذه التوقعات فإنها أعظم الفسائد التي لن ننجوا منها جميعا لا الشعب ولا العهد .
وفقا لإستطلاعاتي ولإتصالاتي ولكل ما يحصل معي هنا في فرنسا ومن خلال الأصدقاء زائري مراكز القرار ، لا يمكن لأي مرجع سياسي أن يقفز بسهولة مرنة فوق مسلسل ما علق في أذهاننا من مشاكل وصراعات ومحاصصة ، ولا يعتبرّن أي سياسي أن تجربة حكومات المحاصصة أو ما يُصار إلى تسويقه "حكومة التوافق" التي سرعان ما تكون حكومة فساد وإلهاء للمواطنين وحكومة إنقسامات ومصالح خاصة ستقودنا إلى حالة من الإنهيار السياسي – الأمني –الإقتصادي – المالي – الإجتماعي ... إنّ ما يُحكى من تشكيل حكومة تُرضي كل الأطراف ما هو تمهيد اللقبض على القرار السياسي من خلال ما يُسوّق له مرحليا .
من هنا نعتبر ومن خلالما الأزمة السياسية الحالية هي أزمة مزمنة نتيجة ممارسة سياسية أسبابها هذه الطبقة السياسية التي تحاول الإلتفاف على صورة العهد بشخص رئيس الجمهورية وعلى الحكومة ، وظاهرتها بنيوية ومسارها طويل ومتعرّجْ وهي متجددة بأشكال مختلفة تحت شعار "المحافظة على ما الوجه" من دون الأخذ بعين الإعتبار مصالح الجمهورية ومصالح الشعب اللبناني ... ولا نخفي سرا أننا في ظل نظام سياسي عفن غير قابل للتجديد . الشكل الراهن لمساعي التشكيل ينّم عن طبيعة قادة الرأي ودورهم وحصصهم ، وفي حالة هذه الإستمرارية سيدخلوننا في مأزق كبير حيث لا حكومة فاعلة ، ولا تنمية ، ولا تعيينات هذا يعني أن كل شيء سينهار لا سمح الله إن تركنا الأمور على ما هي عليه .
إننا في هذا الإطار سنسعى ومن خلال موقعنا هنا في أوروبا ومن خلال أصدقائنا الزائرين لمراكز القرار السعي لرفض أي تسوية لأننا حتما نحن في توقيت غير مناسب للبحث في تشكيل حكومة محاصصة وتعوّم ساسة الأمر الواقع ... إزاء هذا الواقع الأليم نرى أن مسألة تشكيل الحكومة بما يرشح من معلومات من العاصمة بيروت وعلى لسان كبار القوم أن هناك تسوية متداولة وهي أن نعيش نقيض الأمل المرجو .
بالنسبة إلينا المخرج تشكيل حكومة وفقا لطموحات الشعب اللبناني وإنسجاما مع خطاب القسم ونقاوة عمل كل من فخامة الرئيس ودولة الرئيس والسعي لتشكيل حكومة حاكمة تدير الأمور وفقا للأسس الدستورية وتفكك الفساد المنقطع النظير ، والسلام .