د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي
لبنان يمتلك موقعًا استراتيجيًا وثروةً فكريةً وثقافيةً قد تجعله قوّةً مهمّةً إذا تحقّق استقراره وتوحّد شعبه.
فالقوى الكبرى قد ترى في إبقاء لبنان في حالة صراعٍ وسيلةً لتجنّب بروز قوّةٍ جديدةٍ قد تهدّد مصالحها في المنطقة.
ومن المعروف أنّ إسرائيل، تُعتبر “الولد المدلل” للغرب وخاصةً لأمريكا بسبب دورها كحليفٍ استراتيجيٍّ في الشرق الأوسط، فمصالح الدول الكبرى تتركّز على إبقاء ميزان القوى في المنطقة لصالحها.
لكنّ الصراعات الداخلية في لبنان، سواء كانت بين الأحزاب أو الميليشيات الحاكمة فهي أداةٌ تُستخدم كأداةٍ لتفتيت قدرته على تحقيق استقراره واستقلاله الكامل.
لديّ الإيمان أنّ اللبنانيين يستطيعون تجاوز الأجندات الخارجية إذا توافرت الإرادة الوطنية الحقيقية والاتفاق الداخلي على رؤية موحّدة للمستقبل.
تاريخ لبنان مليء بالأزمات التي تمّ تجاوزها بفضل التكاتف في الأوقات الصعبة، ولكنّ المشكلة الكبرى تكمن في تضارب المصالح السياسية والطائفية التي يتمّ استغلالها من الخارج لتغذية الانقسامات الداخلية.
إذا استطاع اللبنانيون وضع المصالح الوطنية فوق أيّ انتماءاتٍ أخرى، والتفاهم على مبادئ مشتركة تعكس تطلعاتهم كشعبٍ موحّدٍ، سيكون من الصعب على أيّ جهةٍ خارجيةٍ فرض أجندتها أو التدخل بشؤوننا، من هنا يأتي دور "قيادة العقلاء الواعية" والشّعب المثقّف في بناء دولة مؤسساتٍ قويةٍ تكون قادرةً على حماية سيادتها واستقلالها.
فلنبدأ بتحقيق الوحدة في لبنان وإصلاح النظام السياسي القائم على الطائفية، لأنه يُكرّس الانقسام ويمنع بناء دولة المواطنة. تذكّر أيّها الشعب أنّه ليس للمستحيل مكانٌ ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبنّي نظامٍ انتخابيٍّ غير طائفيّ والانتقال إلى نظامٍ نسبيٍّ يعتمد على الدوائر الكبرى، مما يفتح المجال أمام تمثيلٍ عابرٍ للطوائف ويركّز على البرامج السياسية بدل الانتماءات الطائفية.
إطلاق حوارٍ وطنيٍّ صادقٍ هو المطلوب حيث يجب أن يكون هناك حوارٌ شاملٌ بين مختلف القوى السياسية المستقلّة والمجتمع المدني لوضع رؤيةٍ مستقبليةٍ مشتركةٍ تُعلّي من شأن الهوية الوطنية على حساب الهويات الفرعية.
يجب أن نرمز بالنظام التعليمي على تاريخ لبنان المشترك والقيم الوطنية، بعيدًا عن الروايات المنقسمة التي تُعمّق الشّعور بالاختلاف.
ألفساد هو العدو الأول لبناء دولةٍ قويةٍ، وإذا تمّ القضاء عليه، ستزداد ثقة المواطنين بمؤسّسات الدّولة.
أمّا بالنّسبة لإحياء هويةٍ وطنيةٍ لبنانيةٍ جامعةٍ، هناك فرصةٌ كبيرةٌ اليوم لأنّ غالبية اللبنانيين يعانون من النتائج السلبية للطائفية والمشترك بينهم أكبر بكثيرٍ ممّا يبدو، سواء من حيث القيَم، الثّقافة، وحتّى التحدّيات اليوميّة. ألمطلوب فقط هو إرادة سياسية وشعبية مستقلّة لتفعيل هذا المشترك.
هل يمكن للّبنانيين تجاوز هذه الأجندات الخارجية لو اتفقوا داخليًا على رؤية موحدة للمستقبل؟
هل التخلّص من الطائفية قابلٌ للتّحقيق في ظلّ التوازنات الحالية؟
صدّقوني نعم ، وحدهم عقلاء الوطن لو توحّدوا لأنقذونا فبِيَدهم الحلّ ..