النهار ..
تشاء أقدار لبنان التي تقارب الأساطير المشؤومة، أن يتهدد خطر الانفجار الإقليمي الواسع انطلاقا من أرضه على الأرجح، إحياء لائقا لحزن عميق مقيم على امتداد أربعة أعوام حتى الآن لأرواح الذين سقطوا في انفجار العصر في مرفأ بيروت. هذه الذكرى التي لم نعد ندرك كيف سيحييها لبنان، وبيروت خصوصا حيث موقع الكارثة، فيما "قد" لا نضمن أن يكون الأحد المقبل في الرابع من آب أحدا سالما، لأن نُذُرَ الانفجار تتراكم بسرعة ويصعب الجزم باللحظة التي ستكون بمثابة الساعة الصفر للتطورات التالية.
مفاد ذلك مما صار معلوما أو غير معلوم، أن عشرة أشهر من عمر المواجهة التي يشهدها لبنان منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، استولدت الآن "بداية" لحقبة مخيفة بدل الوصول إلى نهايات المواجهة. وستكون ذكرى انفجار المرفأ، على كل المخيف الذي تختزنه، بمثابة محطة عابرة فقط في ظل الظروف الطالعة على لبنان المهدد بحرب لعلها بدأت عمليا ولم ندرك بعد.
والحال أن الانفجار الإقليمي الواسع لم يعد يحتاج إلى إنذارات المنذرين وتحذيرات المحذرين لإعلان بدايته "رسميا". إذ إن مجريات حرب غزة وحروب المشاغلة المترابطة بها لا توصف أساسا، إستراتيجيا وواقعيا، إلا بانفجار حربي إقليمي متدحرج، لكنه بلغ مع الهجمة الإسرائيلية في اغتيالات الأيام الأخيرة مرحلة الاعتمال الأقصى لتعميم الانفجار بأشكال لن تتأخر عن "ابتداع" فصل حربي عريض وواسع سيكون الشرق الأوسط على موعد معه بعد أيام.
ومع أن القاعدة "الحكيمة" التاريخية تقول إن الحرب يمكنك أن تعرف كيف تبدأ ولكن يستحيل عليك معرفة كيف تنتهي، فإن ما يعني لبنان أولا وأخيرا في هذه اللحظة، وحين تختلط ذكرى انفجار مرفأ بيروت بمشاعر الخوف الصاعد من حرب واسعة مدمرة تدهم لبنان مجددا، هو السؤال عمن سيتولى "قيادة" مصيره وواقعه وظروفه إذا وقعت الواقعة الكبرى، وبيد من سيكون مصير اللبنانيين في قدر حربي غاشم جديد فيما هم يتامى الدولة تماما؟
كان ثمة "دولة" وجمهورية ورئيس للجمهورية وأجهزة وسلطات بكامل المواصفات الشكلية أقله، حين انفجر في ذاك اليوم الدموي رابع أكبر انفجار تقليدي في العالم في مرفأ بيروت، وحتى الساعة لم يحاكم من سلسلة دولة كاملة هي في موقع الاتهام والشبهة حتى إثبات الاتهام والشبهة، أي مسؤول أو متورط أو مقصر عن أرواح 250 ضحية وستة آلاف جريح ومئات آلاف المتضررين في بقعة مدمرة تناهز ثلث مساحة بيروت.
ومع أن لا رابط "مباشرا" بين انزلاق لبنان الأخطر في هذه الحظة نحو حرب إقليمية والانفجار الأعتى قبل أربع سنوات في مرفأ بيروت، فإن أخطر الارتباطات إطلاقا، مباشرة وغير مباشرة، ستبقى إلى أبد الآبدين في اندثار دولة لبنان اندثارا مذهلا، بحيث لا يعود فارق بين جريمة مقيدة بحق مجهول بهذا الحجم المرعب من حجب الحقيقة في ملف المرفأ، وانجرار قسري إلى حرب متدحرجة تنذرنا بالعودة إلى ظلام الدمار والدماء والخراب، لأن العامل القاتل المشترك والمترابط والدائم السطوة هو اندثار الدولة في لبنان تماما.
استنفد اللبنانيون طوال السنوات الأربع الماضية مفردات المناداة العبثية بالعدالة المفقودة الصريعة، مثلما استنفدوا في الأشهر العشرة الفائتة المناشدات العبثية لمنع زج لبنان في الجحيم الإقليمي. ولذا ترانا نقف أمام الرابع من آب بعبثية خيالية يختلط معها الحاضر المخيف بالذكرى التي لا تمحى.