الدكتور جيلبير المجبر:
إستقبلني دبلوماسي أوروبي خدم في الجمهورية اللبنانية منذ يومين للتباحث في أمور تعني واقع الأوضاع العامة في بلاد الأرز وصعقتُ عندما قال لي بالحرف الواحد وبما معناه باللغة العربية " صديقي لا أثق أبدًا في أي رجل سياسي أو ديني عندكم إنهم عديمي الوفاء في الوعود ويكذبون علينا وبالطبع عليكم "... وفق خبرة المستشارين للمؤسسة والذين يتعاطون الشأن العام إستنادًا لإختصاصهم في هذا المجال إنّ السياسة في لبنان هي المجال الذي يتم فيها تقديم الوعود للناخبين وغالبا ما تكون مصحوبة بالكذب والرياء والتضليل المتعمد المبني على الطائفية والمذهبية وهذا أمر معيب ولغاية اليوم لم يتمكن أي واحد منا من إيقافه بنسبة واحد بالمئة حقا إنها معضلة خطيرة .
الساسة في لبنان وأستطرد لأقول بعض رجال الدين أيضا يعطون الأولوية للشعبوية على مبدأ النزاهة في الأداء السياسي وهذا الأسلوب سافل يجعل من الساسة يخالفون القواعد العامة للعلم السياسي وللنزاهة السياسية والهدف مصادرة الرأي العام وهذه المصادرة تتم بواسطة أشخاص ينتفعون منهم منفعة خاصة وفي أغلبيتها خدماتية أو قضائية وعلى سبيل المثال : تعبيد طريق داخلي – تأمين بون بنزين – تأمين رخصة أسلحة – تأمين وظيفة في مؤسسة ، (أما القضائية : قضايا تعاطي المخدرات – قضايا تجارة المخدرات – السرقات – التزوير ...) إضافة إلى أنهم يقدمون الوعود أثناء الحملات الإنتخابية والهدف منها تأمين الأصوات ويفشلون في الوفاء في أي إلتزام ، وهنا تكمن المصيبة لأنّ المعادلة التي تقوم أنّ هؤلاء الساسة يتكلون على المنتفعين لكي يضربوا الصوت الحر المطالب بتحقيق الوعود .
يُضيف الدبلوماسي العتيق أثناء الجولة الحوارية معه : لا مساءلة ولا تداعيات لأي سياسي فاشل والسبب عدم وجود في القانون عقاب على السياسي الفاسد الذي يخالف القواعد الدستورية وذلك الأمر يؤدي إلى تفاقم المشاكل على عكس بعض الدول المتطورة حيث من المفترض أن تتمثلوا بها . هذه الدول المساءلة قائمة عندها ونادرا من تجد سياسي من الطراز الذي عندكم . إن الإفتقار إلى المساءلة أيها الصديق العزيز أدّى بكم إلى إدامة ثقافة الوعود التي لم يتم الوفاء لها . ولما كنتُ في وظيفتي الدبلوماسية طلبت من أحد المسؤولين عندكم التوقف لا بل إذا أمكن التمنّع في هذه المرحلة عن إطلاق الوعود فكانت إجابته " شعبي ما بيسأل وما بيحاسب ، محلولي ..." .
غالبا ما ألاحظ من خلال التقارير التي تصلني تباعا عن الأمور الحاصلة في الدولة اللبنانية أن السياسيين بأغلبيتهم مدينين للدول التي ترعاهم وتعطيهم الأموال وبالتالي هم أصبحوا عبيد لهؤلاء الدول والواقع الحالي يشي بما نقوله لأسأل عبر هذه السطور هل يتجرأ واحد في هذه المرحلة أن يُعلّي الصوت بوجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، طبعا لا لأنها أولاً أحكمت قبضتها بواسطة وكلائها في لبنان على كل مفاصل الدولة وثانيا لأنها أسست لقصص المال وللإستثمارات من خلاله ، وعلى القارىء الملاحظة كيف تمّت السيطرة على كل المعابر الشرعية والتهرب الضريبي .
أتاني مرجعا نيابيا معزيا (ويا ريتو ما إجا ) إنه من صنف أصحاب التنازلات في السعي إلى السلطة ، وغالبا ما تناقشنا في هذا الموضوع لأن سياسته دائما تتطلب تقديم التنازلات لتأمين ديمومية مقعده النيابي ، وليس من باب الصدفة أن يبقى مرجعية نيابية لا تقدم ولا تؤخر بلا وزن وبلا كرامة للأسف ، وهذا ما جعل المواطنين في دائرته محبطين ومشككين في قدرته على الوفاء بوعوده وهي كثيرة ولكن ما في أمل منها ، إنها خيال صحراء .
إنّ رجال السياسة في لبنان غالبا ما يقعون في دوّامة الوعود الكاذبة التي يُطلقها رؤساء اللوائح أو الأحزاب وغالبا ما يتلقون الشتائم في حال عدم تلبيتهم لتلك الوعود . إن المنطق السياسي يقول " غياب التعاون بين رئيس اللائحة والنائب المُضاف إلى لائحة كمجرد رقم يعيق الوفاء والعمل مما يؤدي إلى إستمرارية الكذب وخيبة الأمل لدى الناخبين " .
سؤال أطرحه على اللبنانيين ، هل إنتو راضيين عن النواب إللي ما بيلتزموا بوعودهن وليش ساكتين ؟ بدي جواب صادق .