النهار:
هل ستردّ إسرائيل عسكرياً على مقتل 12 شخصاً معظمهم في مقتبل العمر في مجدل شمس بواسطة صاروخ اتهمت "حزب الله" بإطلاقه على الجولان السوري المحتل؟ كيف ستردّ وبأي وسيلة؟ على من ترد؟ على "حزب الله" الذي اتهمته بإطلاق الصاروخ القاتل، علماً بأنه اعتصم بالصمت ونفى مسؤولية عن المجزرة؟ هل يكون ردّها محدوداً استجابةً لنصائح حليفتها بل حاميتها الوحيدة في العالم الولايات المتحدة أم توسّعه، بحيث يصيب جنوب لبنان وبقاعه وعاصمته وضاحيتها الجنوبية ومطاره الدولي وبناه التحتية؟ ومن يكون الهدف في حال محدودية الرد؟ موقعاً حزبياً سياسياً في الضاحية؟ بأي توقيت؟ في النهار حيث يمكن إصابة أو قتل شخصيات مهمة عدّة تعمل فيه أم في الليل بحيث يصاب الرمز السياسي وربما الأمني والعسكري لـ"الحزب"؟
أم يكون الرد بداية حرب شاملة مع "حزب الله" ومن خلاله إيران على أرض لبنان، فيستهدف الضاحية بشراً وحجراً و"حزباً" و"حركةً" ومسؤولين أمنيين وعسكريين وسياسيين حزبيين ومواطنين أبرياء ذنبهم أنهم من سكانها المؤمنين بغالبيتهم الساحقة بقيادة "حزب الله" ومرجعيته إيران الإسلامية؟ هل يشمل الرد مناطق لبنانية أخرى غير موالية لـ"حزب الله"، وبنى تحتية في العاصمة وخارجها، ومناطق في الشمال والبقاع؟ هل يمكن أن يتجاوز الرد القصف المتنوّع براً وبحراً وجواً الى محاولة احتلال المنطقة الجنوبية الممتدة من نهر الليطاني الى حدود لبنان مع إسرائيل أو بالأحرى فلسطين المحتلة؟
الحقيقة أن هذه الأسئلة كلها أو معظمها لم تجد جواباً عنها. ذلك أن المعلومات الواصلة من واشنطن وعواصم غربية وعربية كانت تركّز على أن الرد الإسرائيلي سيكون محدوداً. لكنها كانت تركّز على أمر آخر مهم بدوره هو ارتباط محدودية الرد الإسرائيلي بمحدودية رد "حزب الله" عليه أو بالأحرى بعدم الرد عليه. بذلك ينتهي "قطوع" انجرار إسرائيل الى حرب واسعة مع لبنان ليست مؤهّلة لها بعد حرب ضروس وغير ناجحة تخوضها منذ نحو عشرة أشهر في غزة ولم تحقّق فيها نصراً حاسماً وبعد حرب صعبة تخوضها مع "حزب الله" في منطقة الجنوب، ولم تحقّق فيها أيضاً نصراً سريعاً وساحقاً كما كانت عادتها سابقاً؟
هل تقبل إسرائيل أن يُعلن فريق لبناني وليس دولة لبنان حرباً عليها إسناداً لحليفته "حماس" في غزة، وأن يهجّر نحو 80 ألفاً من مواطنيها الى مناطقها الداخلية، وأن يهدّدها إذا قرّرت شن حرب واسعة عليه بتدمير قسم كبير منها؟ هل يستطيع جيشها الذي يخوض لأول مرة منذ تأسيس دولته حرباً طويلة (عشرة أشهر حتى الآن) مع غزة ومع لبنان "حزب الله" وأن يحوّل جبهته مع الأخير ساحة حرب شاملة؟ علماً بأن الجيش الإسرائيلي يحتاج الى الراحة والى الاستعداد نفسياً وتسليحاً وتدريباً على حرب لن تكون نزهة على الإطلاق؟
لكن الجواب عن كل هذه الأسئلة والتساؤلات لم يتأخر، إذ قبل الثامنة مساء الثلاثاء الماضي بنحو ربع ساعة أو أكثر بقليل استهدفت ثلاثة صواريخ من طائرة إسرائيلية بدون طيار بنايةً يقطنها فؤاد شكر المسؤول العسكري الأول على الأرجح في "حزب الله" (وربما خليفة عماد مغنية في القوات المسلحة الحزبية). وامتنع مسؤولوها كما مسؤولو "حزب الله" عن تأكيد إصابته أو مقتله أو نجاته. لكن الاتصالات السابقة للضربة مع قيادة "الحزب" من جهات دولية عدّة بواسطة ديبلوماسيين أجانب وربما وسطاء لبنانيين نصحته بعدم الرد، إذ اعتبر أصحابها أن "الإنتقام" حصل، علماً بأن "الحزب" رفض منذ البداية عدم الرد وأعلن ذلك رسمياً في وسائله الإعلامية تلافياً لأي سوء فهم لموقفه.
لكن المفاجأة كانت أن إستهداف شكر و"حزبه" لم يكن الرد الإسرائيلي الوحيد، إذ اغتالت إسرائيل بصاروخ واحد الزعيم الفلسطيني ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية وهو في طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي كان في زيارة رسمية لها. طبعاً قد يقول البعض إنه ارتاح إذ انضمّ الى الكثيرين من أولاده وأفراد عائلته وأقربائه وشعبه الذين انتقلوا الى دار الخلود.
لكن ذلك على أهميته ليس الأهم فالأهم هو أن إيران الإسلامية التي كانت تحض على عدم إستهداف "حزبها" في لبنان، وتهدّد بالرد على ذلك بواسطة سفيرها في بيروت وغيره، هي التي استهدفها اغتيال هنية، إذ بذلك ضرب نتنياهو عصافير عدّة بصاروخ واحد في طهران بعد ثلاثة صواريخ في الضاحية الجنوبية لبيروت. الأول إيران التي لا تستطيع أن تسكت عن تحدّي إسرائيل لها. والثاني "حزب الله" والثالث الفلسطينيون سواء كانوا من "حماس" أو من فصائل السلطة الفلسطينية. وكل هؤلاء يشعرون اليوم بالحاجة الى الرد تلافياً لانقلاب "الميزان" ضدهم بعد أن كان في مصلحتهم.
فهل تردّ إيران وكيف؟ وهل تستطيع أن لا ترد؟ وهل "تعطيها" أميركا الكثير والمجهول حتى الآن كي تهدئ الأمور وتعيد الحركة السياسية – الديبلوماسية الى سكّتها، فتهدأ غزة وتهدأ معها جبهة لبنان مع إسرائيل؟ طبعاً يرجّح كثيرون أن لا تكون أميركا بايدن مرتاحة الى استهداف "حماس" في طهران. لكنها لا تستطيع إلا أن تحمي إسرائيل من نفسها ومن عدوّها الإيراني. فهل يُحجم الأخير عن الرد؟ أو يتبّع رداً يؤكد قوته وعدم وجود نيّة الإيذاء لديه مثل الذي نفّذه بصواريخه ومسيّراته الـ500 يوم قتلت إسرائيل عسكريين كباراً له في دمشق في بيت ملاصق للسفارة الإيرانية؟ هذه الأسئلة الكثيرة لا أجوبة عنها حتى الآن؟ وربما تبدأ الأجوبة اليوم عنفاً أو سلماً إن لم تكن بدأت أمس. الله يستر.