أين بكركي من المبادرات الرئاسية؟


 لا تخلو عظة قداس الاحد في بكركي من الغمز الكنسي على معطلي الاستحقاق الرئاسي حيث يصوب البطريرك بشارة بطرس الراعي سهامه على القوى السياسية، من رئيس المجلس النيابي الى الاحزاب الحليفة من دون استثناء، مذكرا اياها بالجلسات الانتخابية المُعدة مسبقا والتي نتج عنها المزيد من الفراغ في سدة الرئاسة الاولى.

يُدرك الراعي أن المشكلة في البلد أبعد من رئاسة جمهورية وتتعلق بالدور المسيحي الآخذ الى تراجع بفعل عوامل عدة أنتجتها الحرب الاهلية وبعدها اتفاق الطائف وصولا الى الممارسات الكيدية بين القوى المسيحية الرئيسية في البلاد والتي ساهمت بشكل كبير بتراجع نفوذ المارونية السياسية التي تحولت أحزابها الى ما يشبه أهل ذمة في بلاد لا زالت الطائفية والمذهبية الناخب الاول ضمن نظامها السياسي. قد تتحمل الكنيسة جزءا من المشكلة من باب الوقوف على الحياد في القضايا الاجتماعية والمالية التي تخص رعيتها وتوكيل الامر الى القوى الحزبية وحساباتها السياسية، ولكن في المقابل لا يمكن للمرجعية الكنسية أن تحل مكان الدولة أو تؤسس أحزابا ترتبط مباشرة بها، فهي وفق أوساط مقربة منها لعبت هذا الدور عندما كان الوضع المسيحي مهمشا بعد الحرب الاهلية ودخول النظام السوري على الخط. في تلك المرحلة كان للصرح البطريركي دوره الكنسي والسياسي مع البطريرك نصرالله بطرس صفير الذي كان رأس حرب المواجهة للحفاظ على الحقوق المسيحية، من دعوته الى مقاطعة الانتخابات النيابية عام 1992 الى مساهمته في تأسيس لقاء قرنة شهوان وقبلها اطلاق نداء المطارنة الموارنة عام 2000 والذي أسس لمرحلة جديدة في تاريخ لبنان فيما بعد.

ومع مرور الوقت وامساك الاحزاب المسيحية بالساحة الداخلية تراجعت بكركي الى الوراء وتكتفي اليوم بالدعوات الى انقاذ البلاد من الانهيار وانتخاب رئيس للجمهورية وعدم زج لبنان بالصراعات الاقليمية والدولية. رسمت بكركي خطوط تعاطيها بالشأن العام انطلاقا من التغييرات الكبيرة التي حصلت لدى المزاج العام المسيحي بعد العام 2005 ودخول عوامل خارجية داعمة لمشروع اقليمي يمر على خط كسروان لا على خط بكركي. وجاءت حرب غزة لتواكب تراجع دور الكنيسة على الارض وعززت حركة الموفدين الدوليين هذا الامر، حيث وضعت لقاءات البعض منهم مع البطريرك الماروني في الاطار البروتوكولي لا أكثر، في حين تم بحث المبادرات المرتبطة بالرئاسة او الحدود مع المعنيين وتحديدا الثنائي صاحب القرار الاساسي في المعادلة اليوم.

وبحسب مصادر كنسية متابعة فإن الفاتيكان يُفضل في هذه المرحلة بقاء الصرح محايدا في الامور المرتبطة بالساحة السياسية الداخلية، مع الاخذ بعين الاعتبار جملة المتغيّرات الحاصلة، والتشديد على ضرورة ان يعود رأس الكنيسة الى ترتيب الملفات الداخلية في ضوء التقارير التي وصلت الى روما مشيرة الى بعض التجاوزات الداخلية الواجب التحقق منها كي لا تؤثر على الدور المستقبلي للصرح.

ويرى البعض أن ممارسات القوى المسيحية أحبط بكركي خصوصا بعد دخولها مباشرة على خط تقريب وجهات النظر بين تلك القوى، فعمد بعضها الى زج اسم الصرح في التفصيل اليومي بعد ان ورطها في فترات سابقة بلوائح تحمل اسماء مرشحين تفضلهم بكركي تبين لاحقا أن المُراد من هذه الخطوات جس نبض الصرح قبل حرق الاسماء المقترحة.