تحوّل ملف النزوح السوري، وتحت عنوان "الهبة الأوروبية"، إلى مجال للسجالات والمزايدات الشعبوية بين القوى السياسية، ومن دون أن تكون هناك أية مقاربة فعلية وعملية لتداعيات وأخطار هذا الملف "الوجودي"، سواء على مستوى القرار أو على مستوى الأحزاب أو حتى المرجعيات على الساحة الداخلية.
ولم يرَ المستشار القانوني في المفوضية الأوروبية والمحلِّل الدكتور محي الدين شحيمي، في هبة المليار يورو الموزّعة على 4 سنوات بمعدل 250 مليون في العام، أي جديد، كون الإتحاد الأوروبي درج على تقديم دعم مالي بقيمة 170 مليون يورو سنوياً منذ أكثر من 7 سنوات، إلاّ أنه يوضح أن طرح هبة المليار في الإعلام، كان متعمداً من قبل الحكومة، التي تسعى على الدوام إلى إشغال الرأي العام بالسجالات، وذلك لكي تخفِّف من الضغط عليها، خصوصاً وأن القوى المحلية تنشغل بالسجالات والردود والمزايدات، ما يؤدي إلى "تفشيل" أي مبادرة، وهو نهج تعتمده السلطة في كل الملفات المصيية.
وفي حديث ل"ليبانون ديبايت"، ينتقد الدكتور شحيمي، غياب التعاطي الرسمي المؤسساتي الموحّد مع ملف النزوح وتداعياته الخطيرة على لبنان والمجتمع والكيان والثقافة والصحة والتربية والبيئة والإقتصاد والمال، وخصوصاً على الديمغرافيا اللبنانية، لا سيما وأن إهمال معالجة تفاصيل النزوح السوري قد حصل منذ بدء لجوء أول عائلة سورية إلى لبنان عندما كانت الحكومة مكتملة الصلاحيات.
ويضيف الدكتور شحيمي، أنه في ظل شغور رئاسي وحكومة تصريف أعمال، سيكون من الصعب التوصل إلى أي مقاربة جدية في ضوء الشرخ السياسي الكبير والتصعيد الإقليمي، وهو ما ينسحب على طريقة التعاطي مع كل الملفات.
إلاّ أن شحيمي يتحدث عن دلالة هامة وإيجابية في الخطوة الأوروبية باتجاه لبنان، إذ أنها الأولى في مسار إعادة الإعتبار والثقة إلى لبنان كمحاور في الملف السوري، وذلك بعد 13 عاماً من الوجود السوري، حيث أن المجتمع الدولي لم يتعامل بشكل جدي مع ملف النزوح الذي دخل في زواريب السياسة اللبنانية، حيث كانت زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فوندرلاين وزيارتا الرئيس القبرصي الخطوة الجدية الأولى، وذلك بصرف النظر عن المنحة أو الهبة.
ورداً على سؤال حول المليار يورو، يرى شحيمي، أنه من الممكن أن يجتهد لبنان الرسمي في التعاطي معها تحت سقف القانون، وضمن احترام الدستور وبسقف احترام القوانين الدولية، لأن التعاطي اللبناني لم يكن منظماً ولم يصل إلى مستوى إقناع الإتحاد الأوروبي بمدى خطورة الوجود السوري، وبالتالي، كان من المفروض أن يكون التعاطي قاسياً وصلباً وانطلاقاً من الحرص على الحفاظ على الدولة والشعب والمجتمع وليس العداء للسوري اللاجىء، لأن حل مشكلة السوريين لا يجب أن يحصل على حساب الشعب اللبناني.
ومن هنا، يشدِّد شحيمي على دور الديبلوماسية في إقناع المجتمع الدولي بوجود مناطق آمنة في سوريا، ومن الممكن عودة السوريين الموجودين إلى ديارهم، كما في إقناع النازحين السوريين بالعودة إلى مناطق المعارضة أو النظام، في ضوء ما يسجل من انفصام على مستوى الحديث عن عدم وجود أماكن آمنة، خصوصاً وأن الحياة عادت إلى طبيعتها في كل هذه المناطق، حيث يجري الحديث عن نشاطات ومؤتمرات إقتصادية وحتى مهرجانات سياحية.