في طرابلس اللبنانية مواد شديدة الخطر... فهل يتكرر سيناريو انفجار المرفأ

قد تتعرض هذه المنشآت لضربة إسرائيلية في ظل المخاوف من اتساع الصراع ليشمل الأراضي اللبنانية كافة (اندبندنت عربية)

بشير مصطفى _ اندبندنت العربية


تعكس منشآت النفط في طرابلس الأوضاع المتهالكة للمؤسسات العامة في لبنان، فمنذ أعوام بدأت هذه المنشآت مسارها الانحداري، وانتقلت من القيام بدور المركز الإقليمي لتكرير نفط العراق إلى "كتلة هائلة من الخردة" بعد توقفها عن العمل في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وقبل أن تعلو الصرخة التحذيرية من تكرار تجربة انفجار مرفأ بيروت، لكن هذه المرة من البوابة الطرابلسية بفعل تخزين مواد كيماوية خطرة داخلها.

أخطار جدية ومخاوف

يعيش أبناء منطقة البداوي شمال طرابلس حالاً من القلق على مصيرهم بعدما أكدت الأنباء وجود مواد كيماوية خطرة مخزنة داخل منشآت النفط، حيث تشير الكتب الرسمية إلى تلقي الحكومة اللبنانية تحذيرات جدية حول تلك المواد وآثارها وضرورة إخراجها من المنشآت. وتشير "وثيقة إحالة" صادرة عن محافظة الشمال بتاريخ الـ26 من فبراير (شباط) 2021 إلى "وجود مواد كيماوية خطرة في منشآت النفط في طرابلس لم يتم ترحيلها، مما يشكل خطراً كبيراً على السلامة العامة"، كما تضمنت مطالبة باتخاذ كل الإجراءات الاحتياطية اللازمة.

اليوم وبعد مرور ثلاثة أعوام ما زالت المواد الخطرة قابعة في مكانها، ويتهم رئيس اتحاد بلديات الفيحاء حسن غمراوي وزارة الطاقة بالتقصير، كاشفاً لـ"اندبندنت عربية" عن سلسلة كتب رسمية لحث الوزارة على "اتخاذ الإجراءات الضرورية وترحيل المواد لكن من دون نتيجة واقعية".

ويلفت غمراوي إلى "قيام فوج الهندسة في الجيش اللبناني بالكشف عن هذه المواد بالتعاون مع شركة GMBH (سالفاج كومبيليفت) الخاصة التي سبق لها أن تابعت ملف المواد الخطرة في مرفأ بيروت بعد انفجار الرابع من أغسطس (آب) 2020، وخلص الكشف إلى أن المواد التابعة لوزارة الطاقة والموجودة ضمن منشآت النفط شديدة الخطر وتتضمن مواد مشعة. كما تبين وجود نوعين منها مواد كيماوية ومواد نووية تتفاوت خطورتها بين متوسطة وشديدة".

تشير المكاتبات الرسمية إلى تلقي الحكومة تحذيرات جدية حول تلك المواد وآثارها وضرورة إخراجها (اندبندنت عربية)​​​​​​​​​​​​​​



يعرب غمراوي عن قلقه من "تعرض المنشآت لضربة إسرائيلية في ظل المخاوف من اتساع الصراع ليشمل الأراضي اللبنانية كافة"، ومما يزيد الأخطار وقوع المنشآت في مدينة البداوي، أي أنها على مقربة من مخيم البداوي، أحد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في البلاد، وهي منطقة ذات كثافة سكانية عالية.

ويقول، "وجود المواد ليس أمراً جديداً، فقد مورس ضغط في أعقاب انفجار المرفأ، لكن سرعان ما خفت الاهتمام مع مرور الوقت"، مرجحاً "حدوث عملية نقل المواد إلى منشآت طرابلس في أعقاب حرب يوليو (تموز) 2006، خوفاً من تعرضها للقصف إذا ما بقيت في الزهراني جنوب لبنان، وربما تكون هذه المواد مدفونة تحت الأرض، مما يتطلب استدعاء شركة متخصصة لرفعها، وقد يكون عدم توافر الموارد المالية سبب تأخير عملية الرفع".

مكاتبات تنتظر الإجابة

يتمسك غمراوي بـ"فحوى الكتب التي أرسلها إلى وزارة الطاقة والمياه اللبنانية والتي لم يتجاوب معها أحد حتى الساعة"، وآخرها كتب تذكيرية مرسلة إلى رئاسة الحكومة ووزارة الطاقة في نهاية فبراير 2024 تشير إلى وجود المواد الكيماوية الخطرة بلا معالجة، وتطالب بمعالجتها على وجه السرعة القصوى حفاظاً على السلامة العامة، لا سيما في ظل القصف الإسرائيلي على لبنان.

من جهتها، تؤكد مصادر في وزارة الطاقة أن "الوزارة تعد بياناً مفصلاً يتضمن توضيحاً للرأي العام في شأن هذه المواد"، لافتة إلى "إجراء مناقصة لسحب النفايات خارج لبنان، وفي انتظار استكمال كل ما يلزم في ظل قانون الشراء العام".


تعد وزارة الطاقة بياناً مفصلاً يتضمن توضيحاً للرأي العام في شأن هذه المواد (اندبندنت عربية)​​​​​​​



وتشير المصادر إلى أنه "ليس ثمة تأخير، لكن هناك ما يوجب على المناقص إيداع مبلغ مالي، وسبق أن رست المناقصة على شركة ’كارغو‘ ولكنها لم تقُم بإيداع المال الضروري لمصلحة الدولة. من جهة أخرى لا يوجد تقاعس لأن هناك إجراءات خاصة بسبب طبيعة هذه المواد، ولا يمكن الركون إلى الاتهامات الجزافية لأن الأمور تخضع لإجراءات قانونية خاصة، وليس قراراً من فرد. والوزارة تأمل في أن ترسو المناقصة الجديدة على شركة جديدة لديها ملاءة مالية".


من جهة أخرى، تؤكد أوساط هيئة الشراء العام لـ"اندبندنت عربية" أن "الملف يسلك مساره القانوني الإجرائي، ولفتت الوزارة إلى عدم وجود ما يوجب العجلة"، موضحة أنها تبلغت بقرار وزير الطاقة وليد فياض "خفض مدة الإعلان عن المناقصات العمومية التي تتعلق بالمناقصة التي تطلقها وزارة الطاقة والمياه، منشآت النفط في طرابلس والزهراني، لإجراء المناقصة المتعلقة بتأمين ترحيل المواد الخطرة من حرم المنشآت إلى 15 يوماً لتقديم العروض".

مسار انحداري مستمر

تختصر حال منشآت النفط في طرابلس المشهد الكلي العام لحال المؤسسات الصناعية الضخمة في لبنان، حيث شهدت تحولات على المستويين البنيوي والوظيفي، ويعود تاريخ إنشاء هذه المنشآت لعام 1930، وبدأت عملية البناء على يد الفرنسيين واستكملها الإنجليز، وكانت تابعة لشركة نفط العراق IPC، بحيث كانت تستقدم النفط من كركوك بالأنابيب إلى حمص السورية، وهناك تتفرع باتجاه بانياس السورية وطرابلس اللبنانية.

ويشير المدير السابق للمنشآت محمد بدوي إلى أن "قدرتها الإنتاجية كانت 40 ألف برميل يومياً، كما كانت تضم وحدة تكسير مهمة لاستخراج المازوت من الفيول. وظلت ملكية المنشآت للإنجليز إلى عام 1973، تاريخ مصادرتها لمصلحة الدولة اللبنانية وإدارتها بنظام الشركات الخاصة وإقرار تبعيتها لوزارة الطاقة، وتم تعيين المدير العام لمنشآت النفط مديراً لها إلى جانب منشآت الزهراني".

ويؤكد بدوي تراجع عمل المنشآت بعد انتقالها إلى الدولة اللبنانية، وتوقف بعض الوحدات المهمة وفي مقدمتها وحدة التكسير وتدني إنتاجها إلى النصف وصولاً إلى توقفها كلياً عام 1988 بسبب وقف المصرف المركزي تمويل عمليات استيراد النفط الخام نتيجة وضع قوى الأمر الواقع يدها على مداخيل منشآت الزهراني بحجة صرفها على مشاريع تنموية في الجنوب".    

ويشير إلى محاولات ناجحة لإصلاح المنشآت وإعادتها إلى العمل من جديد، ولكنها لم تستمر بفعل عدم تجاوب السلطة السياسية وضغوط "كارتيل النفط"، كما لم تخضع للتطوير والتجديد أو شراء وحدات تكرير جديدة لزيادة الإنتاج"، مشدداً على "توافر فرص لعملية التجديد، إذ كان بالإمكان شراء إحدى المصافي المتوقفة خارج لبنان، والدفع على مدة 30 عاماً، لكن لم تتجاوب الحكومة اللبنانية مع العروض في حينه".

ويصف بدوي حال المنشآت الراهنة بـ"الخردة"، وصولاً إلى "إغلاق أبوابها نهائياً بعد اتهامات طاولت طواقمها بالفساد والاختلاس خلال عام 2023، إلى أن توقفت حتى عن بيع المازوت".

ويوضح أن "هناك صعوبة في تخزين المواد داخل الخزانات بسبب الحاجة إلى ضخها من خلال الأقنية"، مستذكراً "أزمة النفايات النووية السامة في مرحلة الحرب الأهلية وما بعدها، عندما كانت تحرق في معامل الذوق والحريشة جنباً إلى جنب مع الفيول، وكانت قوى الأمر الواقع تستفيد من بدلات مالية لقاء دفن النفايات السامة في لبنان بعد استقدامها من بعض الدول التي تمتلك منشآت نووية".

وحذر بدوي من "الآثار الخطرة لتسرب المواد المشعة إلى المياه الجوفية، حيث لوحظ ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان في المناطق المتصلة بأماكن دفنها".