أبرز ما تناولته الصحف اليوم
كتبت النهار
لا تستدعي جولات جديدة من السجالات الإعلامية أو المبارزات السياسية حول مفهومَي التشاور أو التحاور في رحلة مستحيلة للعبور الى انتخاب مستحيل لرئيس الجمهورية اللبنانية، المغيّبة معه الجمهورية مثله تماما، كل هذا الاندهاش الذي يصطنعه مَن يظهر نفسه متفاجئاً بمراحل الصراع "المزمن" حول الرئاسة. فمن الأساس، أي قبل سنة وخمسة اشهر، وضع الفريق المعطل للانتخابات الرئاسية البلاد ليس أمام أزمة مشؤومة جديدة استعاد معها معادلة الفراغ والحجز المديد على الأصول الدستورية طريقاً لفرض مرشحه قسراً فحسب، بل استثار أيضا صراعا كان طبيعيا ان يُستثار حول صلاحيات رئيس المجلس في تجاوز إطار الدعوات الى الجلسات الانتخابية إلى الزجّ بشروط ومناورات تتلاعب بالأصول حتى الساعة. والحال ان التشكيك العميق في صلاحيات رئيس مجلس النواب وحتى أيضا في صلاحيات رئيس مجلس الوزراء بفعل تداعيات الأزمة الرئاسية وتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، لم يحصل مرة بهذا الحجم وعلى هذا النحو من الاعتمال، حتى في عزّ حقبات الانقسام العمودي للسلطة والحكم في الحرب، الامر الذي يعكس تطوراً شديد الخطورة على وحدة لبنان في مرحلة ما بعد هذه الازمة اذا قيّض للبنان ان يخرج منها ببقايا قدرات على إعادة ترميم النظام والوحدة الداخلية.
ولعل السؤال الذي يغدو أكثر من ملحّ وأكثر من مشروع هو: متى يدرك "شركاء الوطن" المعنيون، بدءاً بالذين لا يزالون يظهرون خفّة مريعة في التعامل مع الآثار المقبلة للإمعان في تغييب موقع رئاسة الجمهورية، ان التمادي في توظيف هذا التغييب واستغلاله واستثماره على نحو مشبوه يوازي المؤامرة الفعلية على وحدة لبنان؟ وأيّ نظام سيحكم لبنان متى صارت صلاحيات الرئاسات ومثلها الاستحقاقات الدستورية كافة عرضة لانقسامات عمودية طولاً وعرضاً، عند كل مفترق وتطور، بما سيعني الإبحار حتماً نحو فوضى دستورية عميمة على النحو المُنذر به تصاعد الصراع السياسي راهناً؟
مع "المغيَّب" الأول عن السلطة والمؤسسات وهيكل البلاد الدستوري، أي رئيس الجمهورية، اختلفت جولات الصراع الداخلي عن التجارب السابقة للفراغ. فحتى قبيل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ظلت أطر الصراع السياسي ضمن خطوط لم تتجاوز الصراع على صلاحيات رئاستي المجلس والحكومة آنذاك مع أن فراغ السنتين ونصف السنة أحدث في البلاد تداعيات مخيفة استمرّ الكثير من آثارها يعتمل طوال عهد الرئيس عون وبعده وحتى الساعة. والمعنى في ذلك، ان بلداً قام وصنع وتطور وتراجع وتقهقر وسط واقعه الطائفي - السياسي المركّب والسابح على توازنات لا تُمسّ إلا بثورة علمانية (لن تأتي) كفيل بهزيمة كل محاولات توظيف الانتصارات الوهمية، علما ان أيّ فراغ دستوري في لبنان وأيّ مسّ بصلاحيات أيّ رئاسة من الرئاسات الثلاث المكرسة تاريخيا، هو أسوأ وأسرع الطرق الى استحضار العبث النفسي والسياسي والوطني بوحدة لبنان بلا أيّ منازع.
في الأدب العربي القديم ان الحجاج بن يوسف الثقفي في خطبته الأشهر يوم وُلّي على الكوفة استهلّها ببيت شعر لشاعر اسمه (الغريب) سحيم بن وثيل يقول: "أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني". وابن جلا تعني الرجل المشهور الذي يجلو الأمور...
أرغمت آخر موجات السجالات حول مَن يترأس "التشاور"، الرئيس بري على القول: "أنا الرئيس"، وكأنه يختصر الجمهورية... بما يعني أننا أمام الحقبة الأشد تأزماً في تشلّع البلاد.