أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم الجمعه ٠٢/٠٢/٢٠٢٤

 

أبرز ما تناولته الصحف اليوم



كتبت النهار



في "قديم الزمان"، وكان لبنان لا يزال دولة منتظمة ونظاماً يحسده عليه الشرق الأوسط برمّته، مرّر مجلس نوابه اتفاق القاهرة إياه في أفظع الفضائح البرلمانية. لا تقاس تلك الواقعة حتى بالتمريرات الأخرى أيام الوصاية السورية حيث مرت المعاهدات المزعومة والاتفاقات الثنائية مع النظام البعثي السوري كما كانت تملي "عنجر" (المحتلة طبعاً لا الأصيلة) النصوص ولا نقاش ولا من يناقشون. لا مناسبة جليلة لهذا التذكير إلا للنفاذ الى "حديث الزمان" راهناً وأحدثه أنه بعد أيام من آخر طلات المجلس النيابي الموقر في جلسة حملوا أنفسهم بعدها "ألف حمل جميل" أنهم أمضوا سبع ساعات من النقاشات المعقدة والتعديلات والتشريح بعد يومين من المطولات الكلامية المنبرية المملة، وبعدما أنجزوا إنجاز العصر بإقرار الموازنة ضمن موعدها الدستوري لمرة نادرة، وقبل أن تُنشر الموازنة في الجريدة الرسمية حتى الساعة رغم مرور أسبوع على إقرارها (في عصر الذكاء الاصطناعي)، يكاد البلد يستحضر ثورة العشرين سنتاً التي اشتعلت عام 2019.



كنا سنصفق ونهلل لاشتعال ثورة جديدة لو كنا نثق بأن نبض اللبنانيين لا يزال متوثباً ومتحفزاً للاستنهاض مجدداً ولو برؤية وأساليب واتجاهات متطوّرة تستقي العبر من الأسباب والتجربة التي أدّت الى إخفاق ثورة 17 تشرين الأول 2019 غير المسبوقة لجهة كونها انتفاضة اجتماعية عارمة وعابرة لكل المناطق والطوائف والاتجاهات. لكن والحال على ما هي عليه من استنزاف كل بقايا النبض الشعبي بفعل تناسل أزمات ومؤامرات على اللبنانيين لم يعرفه شعب في العالم بهذا العتوّ، فإننا نتساءل فعلاً: ألم يحسب مجلس النواب في إنجازه المزعوم الأخير، باعتبار أنه إنجاز يتيم منذ انتخاب هذا البرلمان، لتوازن الضرائب والرسوم بطريقة معقولة، فإذا بنا الآن أمام ابتزاز الكارتيلات من جهة وإضراب الموظفين من جهة أخرى والحبل سيكون مفتوحاً على الجرار أمام كل فئة وفرد وكل من سيكتشف أن رفع الرسوم سيطاوله في بقايا جيبه الخاوية؟



ليست المسألة خضة عابرة وتمر بعد تسويات سيفرضها واقع مهترئ مهلهل مالياً واقتصادياً واجتماعياً، وإنما ستعيد ضجة الاحتجاجات على الضرائب والرسوم الى الواجهة العمق الأخطر في انعدام تحكم الدولة والسلطة بمجمل الانهيار المتدحرج الذي خبأت الحكومة والمجلس رأسيهما في رمال الإنكار زعماً بأن الانهيار توقف ومرّرا موازنة استخفت "بالقليل الأساسي" من رفع الضرائب والرسوم فإذا بهذا القليل ينذر باشتعال انتفاضة متجددة. وحتى لو أمكن إخماد الاعتراضات غداً فإن الفتائل آيلة الى اشتعالات أخرى لن تتوقف في واقع يعتمل بالفوضى والتفكّك بين أيدي إدارة سياسية، تنفيذية وتشريعية، اهترأت وعلاها الصدأ وباتت على صورة السلطات العتيقة المتقادمة في أنظمة الحزب الواحد من دون أي فارق.



المهزلة المضحكة المبكية أن يأخذ الوهم بالسلطة حدّ التصديق فعلاً بالقدرة على المضيّ بلا هوادة في اتباع أساليب التخدير السياسية كما الاقتصادية والمالية والاجتماعية وسط تصاعد تداعيات خطرين أحدهما خطر تمدّد الحرب الشاملة الى لبنان وثانيهما خطر تمادي الفراغ الدستوري الرئاسي الى كل أنحاء ومفاصل الدولة والمؤسسات، فضلاً عن الاعتمالات الطائفية والسياسية لكلا الخطرين. وبذلك تطرح بقوة التساؤلات عن أي معايير جدية ستعتمد في معالجة ومقاربة السلطة التنفيذية والتشريعية للمرحلة المفتوحة على بقاء الخطرين متماديين اللذين لا يبدو أن ثمة أفقاً حقيقياً لنهايات وشيكة لهما؟ وماذا حين يزول مفعول التخدير؟