أبرز ما تناولته الصحف اليوم
كتبت النهار:
منذ السقوط المدوي للبنان في الانهيار المثبت تاريخيا في العام 2019 ولو انه واقعيا بدأ قبل ذلك وتدحرج بعده ، والهيئات الدولية المختصة ماليا واقتصاديا وكذلك مراكز الأبحاث والرصد والتصنيف للبلدان في العالم تتبارى في إبراز المعايير المتدهورة في لبنان على شتى الصعد وفي سائر القطاعات ونواحي تكوين البنية الدولتية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية . تطبع اللبنانيون مع أسوأ تداعيات الانهيار الى حدود ان التصنيفات الدولية الموثوقة والأكثر جدية وعلميّة لم تعد تلقى بالا واهتماما عابرا لديهم على قاعدة "أنا الغريق وما خوفي من البلل" خصوصا ان "ثورة" بقضها وقضيضها انفجرت بسبب الانهيار وفشلت في قلب مسار ما احدثته احدى اكثر ظواهر الفساد في العالم في تقويض لبنان . ولكن ما لم يتطبع معه كثر بعد من اللبنانيين هو الاعتراف (بعد الاكتشاف) بان احد البلدان الذي كان يشكل علامة فارقة نادرة في النظم الديموقراطية في العالم العربي والشرق الأوسط عموما قد "مات" سريريا وواقعيا وصار اقله في عالم لا يصدق اللبنانيون أنهم انزلقوا الى سواده .
يستفزك تصنيف حديث في هذا السياق أصدرته "إكونوميست إنتليجنس يونيت" في تقريرها الخاص ب"مؤشّر الديموقراطية" في العالم وتعرض من خلاله وضع الديمقراطيّة في 167 دولة خلال العام 2023 وابقت لبنان فيه ضمن "الأنظمة الإستبداديّة" في المرتبة 112 عالميّاً والخامسة إقليميّاُ في مؤشّر الديموقراطيّة للعام 2023 بزعم "عودة العنف السياسي اليه" .
يثير صدور تصنيفات قاتمة مماثلة كهذه انفعالات ساخطة وغاضبة لكونها اشبه "بشهادات الوفاة" فيما المريض لا يزال حيا . ولعلنا لا نتذاكى على مضمون تصنيف للديموقراطية اللبنانية العليلة بهذه القسوة التي تضعه على سوية واحدة مع الأنظمة الاستبدادية ، ما دامنا كلبنانيين ضحايا نصرخ عبثا وبلا أي اثر وبلا أي قدرة منذ تناوبت علينا الاحتلالات والوصايات والانقسامات الداخلية والتبعيات للخارج والاغتيالات الترهيبية وهيمنة السلاح وشل الاستحقاقات الانتخابية والتسبب بالفراغات الواحد تلو الاخر . أي جديد تحمله هذه التصنيفات اذن ولماذا السخط المعتمل ؟ فقط لأنها تزج بلبنان في تسمية خاطئة هي النظام الاستبدادي الذي يضعه في سوية حاكم ديكتاتور او طاغية او مستبد في حين ان لبنان يعيش واقعا هجينا منفلتا من أي تصنيف لكونه لا يخضع لديكتارية الحاكم الشخص المنفرد بل لحالة استبدادية ضربت وتضرب خصائصه وأعرافه وممارساته وأصوله الديموقراطية العريقة في الصميم وصادرت وأفرغت دستوره من كل المحتوى الديموقراطي الذي يحميه الدستور نفسه . وسواء سلمنا بدقة واهداف وخلفيات كل تقارير وتصنيفات دولية مماثلة او جاءت كلها او بعضها عرضة للتشكيك في الدقة العملية او في الأهداف القريبة والبعيدة المدى ، فان اشد ما يؤلم في الجانب المتصل بالديموقراطية اللبنانية انها لم تعد تشكل الهاجس المحفز ليلا نهارا لحراسها والمؤمنين بها والمدافعين عنها الى حدود الخوف الكبير ، من ان تغدو يوما صفقات التسويات المفروضة قسرا او طوعا الطريق الأسرع لدفن النظام الذي كان يوما أيقونة المنطقة ولو ان ديموقراطيته مشوبة بامراض التركيبة الطائفية والاستتباع الاقليمي .
ولا نبتعد كثيرا في الانفعالات والحلم بماضي عبر ولن يعود ، اذ "نستذكر" ونذكر للتو بان النسيان يكاد يغلف قصر بعبدا ويعلوه الغبار اطرادا ، ولا من قبس من نور لان ألابطا
النشامى في تعطيل وإعطاب النظام والديموقراطية تحكموا ويتحكمون وسيتحكمون باشد ما يملكون من خطورة وسائل الترهيب للديموقراطيين ما دام العالم يتذكرنا بتصنيفات فقط !