أبرز ما تناولته الصحف اليوم
كتبت النهار:
يمكن لمناصري "حزب الله" وحلفائه اللبنانيين حصراً أن يبرّروا الكثير للحزب في سلوكياته النمطية حيال الملفات والمسائل والسياسات الداخلية وعلاقاته بالقوى والطوائف خصوصاً حين تتقدم لغة الميدان كل الأولويات تحت وطأة خطر أكثر من جدّي لاندلاع حرب شاملة مع إسرائيل. لكن ما عجز، أو فشل بالأحرى، هؤلاء في تبريره وشرحه وتفسيره دوماً، ولم يتطوّع الحزب نفسه يوماً لتبريره تبعاً لـ"أيديولوجية" الاستقواء التي تلازمه بطبيعته منذ نشأته، هو الأثر التدميري لتعامله مع الخصوم أسوة بالعدو الأصلي الإسرائيلي وعدم التفاته الى تداعيات هذا النمط على الوحدة الداخلية. إلا أن تلك السخافة التي صارت عليها آفة "التخوين" المتخلفة والبائدة في زمن تحكم الذكاء الاصطناعي بالعالم والكون كله، ليست مجرد هفوة أو سقطة عابرة تثير كل هذا الضجيج الداخلي ذي الخلفية الطائفية الخطيرة، بل إن هذا المسار يتصل بعامل الوراثة أولاً من أنظمة الطغاة تاريخياً وكلاسيكياً وألصقهم بالحزب طبعاً "عائلته" النظام السوري والنظام الإيراني. يتعيّن لمرة وضع الأمور في نصابها لفهم نمطية تفريخ "خائن" كل يوم في بيئة ضاجة بميراث متعالٍ ومتراكم من أيديولوجيات ذهبت ممالكها وانقرضت كالاتحاد السوفياتي وأنظمة العقائد الشمولية والأنظمة الدموية العربية ولو أن الكثير الباقي منها يطوّر دوله وأحواله ويتكيّف مع عالم الحداثة.. أن يغدو التخوين سلاحاً داخلياً أساسياً فإن هذا أبعد ما يكون عن صفة "الحدث" سواء كان المخوّن البطريرك الراعي أو أي سياسي وصحافي وإعلامي وناشط مناهض سياسياً وفكرياً وعقائدياً للبيئة الممانعة بزعم الاحتكار لمفهوم المقاومة لإسرائيل والعاملة على تجويف لبنان بخطورة فائقة لاستتباعه بانظمة التخلف البائدة.
لكن ما يتعيّن على اللبنانيين التدقيق به "حديثاً" وبمنتهى الجدية، هو معنى الإمعان المتعمّد في تمزيق عرى بقايا علاقات ورهانات على وحدة لبنان المتهالكة ولماذا يدفع "حزب الله" بلا هوادة إلى إذكاء النزعات التقسيمية النافرة والصارخة في البيئات المتطرفة أصلاً أو الناشئة حديثاً لدى طوائف مختلفة ولو أن ثمة زعماً بأن أقواها لدى المسيحيين؟ إن صح تجاوز هجمة التخوين الأخيرة الهابطة الناضحة بكل الحقد والحقارة على البطريرك الراعي وقبله على سياسيين وناشطين وإعلاميين، فماذا يعني أساساً تخوين كل رافض ومناهض تلقائياً لمصادرة قرار الدولة وتفرد "حزب الله" ليس فقط بإشعال حرب مع إسرائيل بل إعادة استباحة الجنوب لمنظومات الممانعة الفلسطينية وسواها على طراز "فتح لاند" المشؤومة في سبعينيات القرن الماضي؟ ألا يتذكر اللبنانيون، ولا يلامون إن فعلوا، ماذا تسبب به التفرّد المشابه في إشعال حرب تموز 2006 من تداعيات مدمّرة لاحقاً على الواقع الداخلي بقي يعتمل الى حد الانفجار بـ"7 أيار" الدموية في ذاك "اليوم المجيد" الذي رفع لواء التقسيم بأشنع مما فعلت الحرب "الأهلية" المشتقة من حروب الآخرين طوال 15 عاماً في لبنان؟ ومن قال إن تداعيات وأثر الميني حرب الجارية الآن، سواء ظلت مضبوطة ضمن أطر معادلة "المشاغلة" المزعومة هذه أم أدت الى الانفجار المفزع الشامل، على فلول الوحدة اللبنانية ستكون أقل من إطلاق رصاصة الرحمة عليها وعلى مجمل الانتظام التاريخيّ للعلاقات والروابط والشراكة الوطنية؟ وهل يُعقل أن نكون بهذا القدر من السذاجة التي يظن أنصار "الممانعة" أنها لا تزال تتيح لهم التخفي عن غالبية اللبنانيين بأن التقسيم أو السيطرة الشمولية هي المعادلة الوحيدة التي تستوطن "التخوينيين"؟