بعد مدّة من «السبات»، عاد «كورونا» إلى تصدّر قائمة الفيروسات مع النشاط اللافت للمتحوّر الفرعي الجديد JN1 في عدد كبير من دول العالم، ولا سيّما في أميركا الشمالية ومعظم الدول الأوروبية. سرعة انتشار المتحوّر الذي رُصد في أيلول الماضي، دفعت منظّمة الصحة العالمية أخيراً إلى إعلانه «متحوّراً مثيراً للاهتمام»، بعدما تبيّن أنّ ثلث الإصابات بـ«كورونا» تحمل بصمته. وأوضحت المنظّمة، الأسبوع الماضي، أنّ سرعة الانتشار تخطّت الـ50% في معظم دول العالم «بين 20 تشرين الثاني و17 كانون الأول»، وهو مرشّح ليصبح «البديل» لمتحوّرات كورونا السابقة.الاختصاصي في العلوم البيولوجية فادي عبد الساتر أكّد أنّ مقارنة المدّة الفاصلة بين بداية ظهور الفيروس ومطلع الشهر الجاري تشير إلى ارتفاع «صاروخي». ففي البداية، كانت نسبة المصابين به في الولايات المتحدة، مثلاً، 0,1% وارتفعت إلى 25% الشهر الماضي، لتصل اليوم إلى 50%. والحال نفسه في فرنسا حيث تخطّت أعداد المصابين بالمتحوّر الـ50%. وفي الدول الأوروبية التي ينتشر فيها المتحوّر بسرعة، «يظهر الـJN1 لدى مصاب من بين كل أربعة مصابين يجرون فحص الـPCR».
دائرة الدول المصابة بالمتحوّر الجديد تتّسع، وهو وصل رسمياً إلى السعودية حيث بلغت نسبة المصابين به 36% بحسب «هيئة الصحة العامة السعودية»، والمؤكّد أنه سيكمل طريقه نحو دولٍ أخرى منها لبنان. وبحسب رئيس «اللجنة الوطنية للقاح كورونا» عبد الرحمن البزري «قد لا يطول الأمر لاكتشافه»، مشيراً إلى أن «مراكز الترصد تأخذ عينات حالياً وتجري خريطة جينية، إلّا أنّها لم ترصده. لكن ذلك لا يعني أنه غير موجود. فقد يكون موجوداً من دون أن نرصده»، بسبب تشابه عوارضه مع الإنفلونزا الموسمية، خصوصاً أنه هذا العام والعام الماضي، كانت هناك «خلطة فيروسات» من الـH1N1 وH2N3 والـRSV (الفيروس التنفسي المخلوي) لم نرصدها في السنوات الثلاث الماضية بسبب إجراءات الحماية من فيروس كورونا، وهذا ما يجعل رصد المتحوّر الجديد بطيئاً
اكتُشِف متحوّر JN1 أيلول الماضي، عندما ظهر في الخرائط الجينية لرصد فيروس كورونا انخفاضٌ في قدرة الأجسام الضدية على تحييده. قبل ذلك كانت منظّمة الصحة العالمية قد رصدته قبل الإعلان عنه رسمياً، إلّا أنّها اعتبرته متحوّراً جزئياً من المتحوّر السابق B.A قبل أن يتبيّن أنّ له خصائصاً جديدةً تجعل منه متحوّراً جديداً، إذ إنّه يملك قدرةً كبيرةً على التهرّب من المناعة، سواء أكانت المناعة عبر اللقاح أم مكتسبة من إصابة سابقة». وبحسب عبد الساتر، يملك JN1 «طفرةً إضافية عن المتحوّر السابق، تتهرّب من الجهاز المناعي وتسبب الإصابة».
ماذا لو انتشر المتحوّر الجديد في لبنان؟ يجيب البزري باقتضاب «لا داعي للخوف ولا لإثارة الهلع»، فقد «تبيّن عبر رصد الإصابات وحالات الاستشفاء أنه لا يتسبّب في التهابات رئويّة حادّة»، كما أنّ عوارضه مشابهة للمتحوّرات السابقة لناحية الإصابة باحتقان الأنف والحلق والإجهاد والحرارة، وفي بعض الأحيان فقدان حاسّتَي الشم والذوق، و«هذا هو الفارق الوحيد عن الإنفلونزا الموسمية»، بحسب عبد الساتر. أما بالنسبة إلى التأثيرات الأكثر شدة، فتطال – كما في المتحوّرات السابقة – كبار السنّ والمصابين بأمراض مستعصية ومزمنة، ولذلك «يجب الالتزام بإجراءات الوقاية والحماية حفاظاً على هذه الفئة وعدم تعريضها للخطر». ورغم أن ظاهرة الإصابات متوقّعة، يؤكّد البزري «أنّ كلّ متحوّر سريع الانتشار يتميّز بخصائص الانتقال الخفيّ، ولكنه لا يتسبّب في مرض شديد».