كتبت النهار:
في ظل التراشق العسكري على الحدود الجنوبية مع اسرائيل والذي ادى حتى الان الى سقوط اكثر من مئة عنصر في "حزب الله" ومدنيين، كما في ظل الاستهداف الجاري من فوق لبنان في اتجاه مواقع ايرانية في سوريا الغارقة في مآسيها وادى اخرها الى اغتيال مسؤول عسكري ايراني رفيع، يصعب الاقتناع بان الامور قد تبقى منضبطة ولن تتفلت حربا تشمل لبنان ككل.
وباستثناء بعض المراجع الرسمية التي تبدو مطمئنة الى الانضباط وكذلك وزراء وسياسيين يدورون كلهم في فلك "حزب الله" وعدم احتمال انجرار الحزب الى الحرب لتشمل لبنان ككل، ربما استنادا الى طمأنة حاسمة من الحزب بالذات، فان مصادر ديبلوماسية اجنبية لا تبدو على هذا القدر من الاطمئنان بل اكثر حذرا في ما يمكن ان تقود اليه المناوشات في الجنوب او عبره وكذلك الاستهداف الاخير لمسؤول الحرس الثوري في سوريا رضي موسوي، على رغم البيان الهادىء وغير التصعيدي للحزب. الموقف الايراني الذي صعد مسؤولوه ردا على اغتيال الموسوي الى درجة الانتقال من مرحلة انكار طهران المعرفة المسبقة بعملية 7 تشرين الاول التي قامت بها حركة " حماس" ضد اسرائيل، الى اعتبار الحرس الثوري الايراني ان هذه العملية كانت اجدى الردود على اغتيال قاسم سليماني، وتاليا القفز الى الاستثمار في اهداف عملية " طوفان الاقصى" الى ما هو ابعد من فلسطين وحقوق الفلسطينيين، شكل فرصة للبعض للاستنتاج بمدى حراجة الموقف الايراني باغتيال ثان على مستوى كبير لاحد قيادييها. وتاليا تظهير الحرس الثوري طوفان الاقصى بمثابة رد ولو متأخر تخفيفا للاحراج وتبريرا لاستهداف الموسوي كذلك. وهو امر استفز "حماس" التي نفت صحة تصريحات المتحدث باسم الحرس الثوري في شأن عملية طوفان الاقصى ودوافعها كون الموقف الايراني يوظف ما حصل في اطار الاستهلاك الداخلي من جهة ولكن على حساب تخريب عملية حماس وتظهيرها لمصلحة طهران ما يفقد الحركة اي صدقية للعملية التي قامت بها ويصورها تخدم اهداف ايران في الدرجة الاولى.
الموقف الايراني الذي اعتبر طوفان الاقصى ردا على اغتيال سليماني يراه البعض في اطار صعوبة توجيه ايران الرد المناسب على اسرائيل في هذا التوقيت خشية ان تستدرج الى تصعيد اقليمي يضعها في مواجهة الولايات المتحدة والغرب وينعكس عليها سلبا وهي ليست في افضل اوضاعها. لكن المصادر الديبلوماسية ترى ان الاحتمالات كلها تبقى مفتوحة ولا استبعاد لاي منها على رغم المعلومات المطمئنة عن عدم رغبة ايران في الانخراط المباشر في الحرب. اذ ان هذه الطمأنة التي اوصلتها الى دول عدة لم يمنعها من تحريك وكلائها في المنطقة. والانضباط الحالي في لبنان له اسبابه التي بات غالبها معروفا ولكن لا استبعاد بالمطلق لتغير الاجندة الايرانية ما دامت طهران اظهرت وتظهر انها تملك القدرة على المبادرة بما يفاجىء الوضع وينقل التطورات الى مرحلة مختلفة .
في اي حال فان النوم الرسمي على حرير ان التصعيد مضبوط في الجنوب وسيبقى كذلك، امر يبقى جيدا للبنان بمقدار ما لا يزيد من مآسيه، ولو في ظل معادلة ان لا حرب شاملة بل تبقى محصورة في الجنوب، ولكن لا انتخابات رئاسية كذلك في الامد القريب. وبمقدار ما يرتبط عدم توسع الحرب على غزة بالضغوط الاميركية على اسرائيل من اجل عدم توسيع الحرب ككل، يعتقد سياسيون قريبون من الحزب ان الرئاسة الاولى تبقى مرتبطة ايضا بالاميركيين وان لكلمتهم الاخيرة وحدها الفاعلية والتأثير وامتلاك القدرة على المساومة، ولو زرع الفرنسيون مرحليا لبنان وبعض دول المنطقة جيئة وذهابا. فالرهان يبقى من جانب الحزب ومعه ايران على غض نظر على غرار ما حصل مع تأمين وصول ميشال عون الى الرئاسة في 2016 بفعل الاستراحة الاميركية بعد الاتفاق النووي بينها وبين ايران في 2015، وهي فرصة قد تتاح في سنة الانتخابات الرئاسية الاميركية كذلك، او ربما مساومة اميركية ما على خلفية انخراط ايران في المسعى لاحراز المكاسب من وراء العملية العسكرية لـ"حماس" في 7 تشرين الاول. ولذلك لم يبدل الحزب من موقفه الداخلي ولا يظهر استعجالا لبته على رغم اشارة الموفد الفرنسي في زيارتيه الاخيرتين لبيروت الى حتمية الانتقال الى خيار ثالث يقول العارفون انه ليس واردا في حسابات الحزب حتى الان على غير الانطباع الفرنسي، ولا استعدادا لتعديل موقفه من دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه المتمسك بترشيحه والمنخرط بفاعلية في اللعبة الداخلية على نحو معزز لوضعه ولادراكه اهمية المرحلة وحساسيتها كما حصل في موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وكما سيحصل في استكمال التعيينات العسكرية على الارجح. وهذه النقطة بالذات تعزز الاقتناع بان لا رئاسة للجمهورية في المدى المنظور والمطلوب المحافظة على استقرار الحد الادنى امنيا في لبنان ليس اكثر ولا اقل حتى اشعار اخر ليس واضحا ما هي طبيعته، ولو ان البعض يربطه بانتهاء الحرب على غزة . في حين ان الرئاسة كانت مؤجلة حتى اشعار مجهول التوقيت حتى قبل الحرب على غزة ما يدحض التمسك بهذا الاعتبار وحده او التذرع به .