أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم السبت ،١٦/١٢/١٢٠٢٣


 كتبت النهار

ما هي أسباب عدم قلق "حزب الله" من اشتراك حركة "حماس" وتنظيم "الجهاد الإسلامي" الفلسطينيين معه في محاربة إسرائيل التي تدمّر قطاع غزة حجراً وبشراً وعمراناً ومؤسسات بعد الإذلال الذي تعرّضت له على يد الأولى وغيرها في 7 أكتوبر الماضي؟ عن هذا السؤال يجيب متابعون لبنانيون من قرب لـ"حزب الله" وحركته داخلاً وخارجاً فيقولون: "السبب الأول هو وجود الفلسطينيين في مخيماتهم وأهمها على الإطلاق "عين الحلوة". وهذا الأخير يطوّقه الجيش اللبناني كما يطوّق المخيمات الأخرى في مناطق لبنانية عدّة وذلك يمنع بالطبع التحرّك الفلسطيني الحرّ خارجها للإشتراك في أي نشاط وخصوصاً إذا كان طابعه عسكرياً.


السبب الثاني هو أن "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد" حلفاء. والحليف الأول والأكبر الذي رعاهم كلهم ودرّبهم كلهم وسلّحهم كلهم وموّلهم كلهم هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعتبر "الحزب" إبنها البكر ودرّة تاجها منذ إسهامها في تأسيسه عام 1982 ومساعدتها إياه بكل الوسائل لتنفيذ مقاومة ناجحة ضد إسرائيل أجبرتها على سحب جيشها من لبنان وإعادة الأراضي المحتلة له. لهذا السبب فإن أيّ انفراد بعمل يهدّد البنية اللبنانية أو يثير "النقزة" عند بعض اللبنانيين مرفوض تماماً من "حزب الله" كما من إيران الإسلامية". ويضيف المتابعون اللبنانيون أنفسهم: "يعترض كثيرون على اشتراك "حزب الله" في مقاومة حرب إسرائيل على غزة إنطلاقاً من الجنوب اللبناني. ويقولون إنه أثبت عملياً وبقوة أنه لم يعتمد "ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة" في هذه الحرب كما في سياستيه الداخلية والخارجية ولا سيما عندما ردّ بالحرب على إسرائيل بعد بدئها الحرب على غزة، علماً أنها لم تقصف قواته ولم تتعرّض له في البداية. وفي ذلك استفزاز لإسرائيل واستدراج لها كي تضرب لبنان مستفيدةً من دعم أميركا لها وهو كبير جداً، ولا سيما بعدما قال ديفيد ساترفيلد السفير الأميركي الأسبق في لبنان والمكلّف مهمة إنسانية على معبر رفح والحدود بين مصر وغزة وعبر تلفزيون لبناني مهم: "لبنان (حزب الله) هو الذي بادر إسرائيل بالعنف والحرب، وفي ذلك أيضاً استفزاز للبنانيين". وفيه أيضاً إعادة الخوف الى المسيحيين في البلاد وإعادة الإنتعاش الى السنّة الذين طالما اعتبروا الفلسطينيين في لبنان جيشهم منذ 1969 وبعد اتفاق القاهرة "المشؤوم" في نظر لبنانيين كثيرين ومن قبل توقيع قائد الجيش اللبناني له في مصر مع الراحل الرئيس ياسر عرفات في حضور الراحل الرئيس جمال عبد الناصر. طبعاً خسر السنّة السند العسكري الفلسطيني عام 1982 بعد اجتياح إسرائيل لبنان ووصولها الى عاصمته بيروت وإحجامها بإرادتها عن احتلال البقاع والشمال اللبنانيَّين وإرسالها الى دمشق مع من يلزم أنها توقفت عند حدود تدخّلها ولن تتجاوزها، ولذلك لا داعي الى الإنسحاب منهما".


هل يعرف "حزب الله" ذلك؟ "طبعاً" يجيب المتابعون أنفسهم من قرب لـ"حزب الله" وحركته داخلاً وخارجاً، "لكنه لا يستطيع من منطلق ديني إسلامي ومن منطلق قومي عربي ومن منطلق وطني لبناني ومن منطلق إنساني الإمتناع عن الإشتراك في مقاومة حرب إسرائيل على غزة تضامناً مع الفلسطينيين وفاءً لمبادئه والتزاماً بها. فإسرائيل عدو لـ"الحزب" وعدو للعرب واللبنانيين وهو متمسّك بانتمائه القومي والعربي والوطني والإسلامي. وقد بدأت أسطورته بعد نجاحه عام 2000 في طرد إسرائيل من أراضٍ احتلتها في الجنوب عامي 1978 و1982 أي بعد 18 سنة من المقاومة الشرسة لها، علماً أن الأمم المتحدة لم تستطع تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 425 الذي صدر بعد اجتياحها الأول ونصّ على ضرورة انسحابها من الأراضي التي احتلتها. وقوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) التي أُرسِلت الى لبنان لم تستطع إقناع إسرائيل بالإنسحاب مما تحتله من أراضٍ فيه وله أو فرضه عليها. الى ذلك، لا تزال إسرائيل خطراً على لبنان و"حزب الله" لا يستطيع، بغضّ النظر عن أي شيء، تجاهل خطرها هذا خصوصاً في حربها على غزة، كما لا يستطيع تجاهل الإشتراك فيها وإنْ من منطلق المخفّف من وحشيته عليها. فالمبادئ التي يؤمن بها وكل شيء آخر يمنعه من السكوت على هذه الحرب. لكنه يقوم بما عليه وليس أكثر، أي يدافع عن لبنان ويقاوم إسرائيل ويدعم فلسطين. فهذه إيديولوجيته وهو لا يستطيع التنكّر لمبادئه وأهدافه العليا".


ماذا عن ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" التي أعلنها "حزب الله" والتزم بها من زمان، لكن هذا الإلتزام لم يشمل حربه الحالية على شمال إسرائيل بهدف التخفيف عن "حماس" في غزة؟ "يعترف الحزب"، على حد قول متابعيه اللبنانيين من قرب أنفسهم، "بأن دخوله الحرب أخلّ بمسلّمة الجيش والشعب والمقاومة، وأنه لم يستشر الدولة ويأخذ إذنها لاشتراكه المحدود وإن المهم في الحرب، علماً أنها "منحلّة" تقريباً. فرئاسة جمهوريتها شاغرة وحكومتها تصرّف أعمال والوحدة الوطنية فيها غائبة وانقسامها شيَعاً وأحزاباً وقبائل بل شعوباً صار معروفاً في كل أنحاء العالم. لكن رغم ذلك لا يستطيع التنكّر لمبادئه وأهدافه العليا. طبعاً يلتزم "حزب الله" حتى الآن مساعدة "حماس" في غزة وذلك بإشغال إسرائيل وثلث جيشها في مناطقها الشمالية ويدفع نحو مئة وعشرين ألفاً من سكانها الى إخلاء منازلهم كونها حدودية ولأن بقاءهم فيها يشكّل خطراً على حياتهم والتوجه الى العمق، أي الى وسط إسرائيل. الهدف من ذلك كله الضغط على إسرائيل كي تخفّف عن غزة وشعبها وأيضاً عن "حماس" حرب الإبادة التي تشنّها عليهما. و"الحزب" حتى الآن على الأقل لا يستهدف المدنيين الإسرائيليين خلافاً لما فعلته حكومتهم مع الإعلام اللبناني وأبناء القرى في المنطقة الحدودية كما مع مواطنين مسالمين يقيمون في قراهم، علماً أنها، أي إسرائيل، لا تزال تلتزم بعض الحذر بامتناعها عن استهداف الجيش والشعب في مناطق داخل العمق اللبناني. لكن يبدو أن طلائع تغيُّر ذلك قد بدأت في الظهور. فـ"حزب الله" مستمر في شن حرب المساندة لأن "حماس" تحتاج الى ذلك، وإذا اضطُر فإنه سيخوض حرباً شرسةً إذا بادرت إسرائيل الى شن حرب مباشرة عليه وعلى لبنان"