أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم الجمعه ١٧/١١/٢٠٢٣


 كتبت النهار


ربحت إسرائيل حرب تأسيس الدولة عام 1948 لأن الشعب الفلسطيني لم يكن لديه جيش يدافع عنه وعن بلاده إذ كان تحت إنتداب بريطانيا على بلاده، وكان جُلّ همّها تنفيذ وعد حكومتها في أثناء الحرب العالمية الأولى بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. دفعها ذلك الى السماح بهجرة يهودية مستمرة الى فلسطين ولليهود بتأسيس ميليشيات مسلّحة ومدرّبة أصبحت لاحقاً نواةً لجيش دولة إسرائيل. وربحت أيضاً لأن شعب فلسطين لم تكن له أحزاب سياسية ومنظمات عسكرية، ولأن جيوش الدول العربية التي اعتمد عليها في "حرب الاستقلال" لم تكن على قدر المهمة التي أوكلتها لنفسها فخسرت وقامت دولة إسرائيل واعترف بها كبار العالم ومعظم دوله.


وربحت إسرائيل حرب 1967 على مصر وسوريا والأردن لأن جيوشها لم تكن مهيّأة لمواجهة عسكرية حاسمة مع جيشها لأسباب عدّة منها قلّة التدريب وعدم كفاءة السلاح بالمقارنة مع ما تمتلكه منها إسرائيل، ومنها في الوقت نفسه عدم إعطاء القيادات العسكرية ولا سيما المصرية صورة حقيقية عن أوضاع الجيش الذي تتحمّل مسؤولية قيادته لحماية البلاد كما لمساعدة الفلسطينيين على استعادة بلادهم.


وربحت إسرائيل الحرب على لبنان عام 1978 ثم عام 1982 لأن دولته ضعيفة وشعبه منقسم على نفسه وطوائفه متقاتلة وكذلك مذاهبه، ولأن جيشه في أيام السلم كان عاجزاً عن خوض حرب ناجحة مع الخارج لصِغَر حجمه وضعف تجهيزاته وأسلحته، فكيف في أيام الحرب أو الحروب التي شهدها لبنان بين 1975 و1990، والتي كان فلسطينيو لبنان فريقاً فيها في حينه، علماً بأن الأداء الفلسطيني في الحرب المذكورة كما في مكافحتها إسرائيل كان أقل من التوقعات رغم أن عديد منظماته المقاتلة كان كبيراً جداً، وربما يكون السبب انغماسهم في حروب الداخل اللبناني وانشغالهم بحكم قسم من لبنان وسعيهم الى حكم القسم الآخر منه انطلاقاً من نظرية أن طريق فلسطين تمر في جونية. هذا فضلاً عن انشغالهم بمواجهة سوريا حافظ الأسد التي كانت تسعى الى احتوائهم وانتزاع موافقتهم عليها ممثلاً لهم على الساحتين العربية والدولية بدلاً من منظمة التحرير التي أنشأوها أو أُنشئت لهم في إحدى القمم العربية. لكن إسرائيل الرابحة في الحروب المذكورة أعلاه واجهت خسارة فادحة في حربين. الأولى عام 1973 التي سُمّيت حرب العبور لأن جيش مصر فاجأها بهجوم عبر قناة السويس وحطّم خط برليف في الجانب الآخر منها وبدأ السير نحو صحراء سيناء المحتلة لاستعادتها. لكنه أحجم عن ذلك لأسباب معروفة. كان سبب ذلك وقوعها في وهم الاعتقاد بأن العرب ليسوا مؤهّلين للحرب وأن تفوّقها عليهم أبدي سرمدي، وأن العالم الفاعل بغربه وشرقه وفي مقدمها الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي حليفٌ موثوقٌ لها ويحتاج الى دورها الشرق الأوسطي ولذا فإنه لن يدع أحداً يُلحق بها أي هزيمة. كان سبب ذلك أيضاً اقتناعها بتفوّقها التكنولوجي المدني والعسكري وسلاحها المتطوّر والآخر السري (علماً بأنه لم يبق كذلك) أي النووي. هذا فضلاً عن اعتبارها أي إسرائيل أجهزتها الاستخبارية والمعلوماتية الأفضل في العالم العربي بل في المنطقة كلها.


أما الحرب الثانية التي خسرتها فكانت أقسى عليها من حرب 1973 التي كانت في حينه ضد أقوى دولةٍ عربية عسكرياً وديموغرافياً، استطاع زعيمها في حينه جمال عبد الناصر إقناع غالبية الشعب العربي بنزاهته ورغبته في استعادة فلسطين لأهلها العرب وبقدرتها على ذلك. أما الحرب الأخيرة فشنّها عليها فصيلٌ فلسطينيٌ مقاوم اسمه "حماس" وأسَّسه شيخٌ معمّمٌ مُقعد راحل اسمه أحمد ياسين وكانت منظمة التحرير الفلسطينية في حينه في عزّها، وحاولت إسرائيل جرياً على عادتها إشاحة النظر عن نشاطه لرغبتها في وجود منافسٍ فلسطيني لياسر عرفات الفلسطيني مؤسِّس "فتح" مع منظمة خاصة به. لكن شيخ "حماس" وأبناءها لم يقعوا في الفخ رغم الاختلافات الكثيرة التي حصلت بينهم وبين أبناء "فتح" بعد رحيل مؤسِّسها في أعقاب نجاحه في انتزاع موافقة إسرائيل ودول العالم الكبرى على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة. لكن الخلافات تعمّقت بعد رحيله وبعد عودة إسرائيل عن حل الدولتين وبدئها تكثيف الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، ثم بعد قرار آرييل شارون يوم أصبح رئيساً للحكومة التخلّي عن غزة للفلسطينيين بعد إجبار المستوطنين اليهود فيها على العودة الى إسرائيل 48 أو الضفة الغربية بالقوة ولا سيما بعد تفكيك مستوطناتهم. ربما كان كثيرون من يهود إسرائيل في ذلك الوقت مؤيّدين لما فعله لأن الكثافة السكانية الفلسطينية في غزة مرتفعة جداً ولأن ليس فيها "مميزات" دينية يهودية. لكن شارون لم يترك غزة "مستقلة" إذ حاصرها بحراً وبراً وجواً وهكذا فعل خلفاؤه فحكمت نفسها ذاتياً ووفّر ذلك لـ"حماس" أرضاً من فلسطين وإن صغيرة لممارسة سلطة داخلية تنافس فيها منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية و"فتح" وغيرها. هذا الانتصار الأولي الذي تمثّل بتنفيذ "حماس" عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي وأصاب إسرائيل بالمفاجأة أولاً وبالخوف ثانياً وبالارتباك ثالثاً وبالعجز عن التحرّك للمواجهة قبل 48 ساعة على الأقل رابعاً وبالحاجة كالعادة الى الأم الحنون أميركا وأسلحتها البرية والبحرية والجوية وحتى الى أربعة آلاف جندي أميركي ألفان منهم على البر الإسرائيلي وألفان في البحر. كما أصاب سكانها قلقٌ جدّي هذه المرة على مستقبل دولتهم ووطنهم وحياتهم وأمنهم وربما بدأ البعض منهم يتساءل إن كانت العودة الى المواطن الأصلية ضرورية أم لا.


ماذا عن حرب إسرائيل على لبنان "حزب الله" عام 2006؟ لا يستطيع أحد أن يعتبر أن إسرائيل ربحتها. ذلك أن الهدف منها كان ضرب "الحزب" وإنهاءه وما كان ذلك ممكناً من دون خسائر بشرية ومادية كبيرة. قيل في حينه إن أميركا كانت داعمة لهذه الحرب لكن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها المتعلقة بـ"الحزب". وعلى العكس من ذلك أعطت "الحزب" وحليفته الأولى إيران نصراً كان له دورٌ مهم في ما جرى في لبنان بعد الحرب وربما في ما يجري في المنطقة حالياً.


ماذا أيضاً عن "الطوفان" وعن نتائجه وعن تطوّره وعن تطوّر ما نتج عنه من حرب طاحنة بين "حماس" وإسرائيل؟ ومن سيربحها؟