كتبت النهار
بدا اليوم الثالث والثلاثون لجبهة الحدود الجنوبية هادئا نسبيا على الصعيد العسكري، اذ اكتفى "حزب الله" بإصدار 3 بيانات عسكرية عن مهمات روتينية نفّذها مقاتلوه تركزت على قصف للمواقع الاسرائيلية الحدودية التي صارت هدفا يوميا لهؤلاء نظراً الى قربها من الجانب اللبناني من الحدود. وفي المقابل، كان جلياً وفق التقارير الامنية الصادرة عن تل أبيب ان القوات الاسرائيلية المتمركزة على الحدود الشمالية قد اكتفت بالرد على مصادر النيران، وان القصف اقتصر على أطراف القرى وهي في جلّها أض خلاء وأحراج وكروم.
وبطبيعة الحال، فان عودة طرفَي الصراع على الحدود الجنوبية الى التزام قواعد الاشتباك الاساسية المعروفة والقائمة على مبدأ التراشق والمشاغلة، في أعقاب تطورات ميدانية دراماتيكية بعثت في أحيان كثيرة على القلق وأنذرت بخروج الامور عن نطاق السيطرة والتحكّم، لا تعني بالضرورة ان بإمكان الراصدين ان يبشّروا مَن يعنيهم الامر بأن الاوضاع على الحدود اللبنانية مع الاراضي الفلسطينية المحتلة قد بدأت تجنح بين ليلة وضحاها الى معادلة الهدوء والاستقرار، ولا تعني ايضا ان طرفَي الصراع قد أطلقا كل ما حوته جعبتيهما من خيارات وطاقات نارية كان كل منهما قد ادّخرها لهذه الجولة من النزال، وهي خيارات راوحت كما هو معلوم على حافة الانفجار الواسع لكنها لم تبلغه. والواضح ان الحزب كان المبادر الى خفض منسوب التوتر على الحدود، إذ لم يكن خافيا منذ الثامن من الشهر الماضي ان الحزب هو من سارع الى موقع الهجوم وشرع في التنفيذ وذلك عندما قصف مقاتلوه في منطقة العرقوب 3 مواقع اسرائيلية في مرتفعات مزارع شبعا في صبيحة اليوم التالي لإطلاق حركة "حماس" عمليتها النوعية "طوفان الاقصى"، وكان رد مدفعية الاحتلال في حينه على القصف فاتحة مواجهات حدودية تتوالى فصولا حتى اليوم.
من البديهي أن الحزب يرفض تفسير أن يكون هذا الإنكفاء من جانبه على صلة بأمرين:
الاول، ان يكون تراجع عملياته وهجماته على الاهداف الإسرائيلية مرتبطا بزيارة الموفد الاميركي الخاص الى لبنان آموس هوكشتاين، والتي حمل فيها عرضاً من بندين لكنهما يؤديان غرضاً جوهرياً واحداً وهو أن يترك لبنان نصرة حركة "حماس" ويدعها وحيدة في المواجهة مع اسرائيل.
الثاني، ان يكون هذا التراجع في منسوب الاعمال الحربية والمواجهات من الثوابت عند الحزب، لان المواجهة ما زالت بالنسبة اليه مفتوحة وفي ذروتها. واذا كان الحزب لم يتخلَّ عن دعم حركة "حماس" وغزة منذ البدايات، فهو من باب أَولى لن يتخلى عن دعمها فيما الكيان العبري ومعه الادارة الاميركية قد انطلقا لتوّهما في رحلة عنوانها العريض كيف نُخرج تل أبيب منتصرة من هذه الحرب بعدما تلقت أقسى ضربة موجعة، وكيف يمكن ان تخرج حركة "حماس" من هذه المواجهة التي قادتها ببراعة عسكرية، وقد بدت مهزومة ومضطرة الى التخلي عن قيادة غزة والخروج منها ذليلة على صورة خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في صيف العام 1982.
وعليه، فان تقديرات الحزب الاخيرة قد استقرت على ان المعركة ما زالت في أوجها وانها طويلة لانها تختلف عن كل سابقاتها، خصوصا الهجمات الاسرائيلية الخمسة على غزة التي تلت جلاء الاسرائيلي عنها، لا بل انها تختلف عن الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز 2006.
لذا فان أمر التراجع او التهدئة التي يرى البعض ان بوادرها بدأت تلوح ، ليس تحوّلاً يعتدّ به بقدر ما هو خاضع لتقديرات القيادة الميدانية للحزب على الحدود، خصوصا ان اداء مقاتليه في الايام الثلاثة والثلاثين الماضية قد جعل الاعلام الاسرائيلي يقرّ بان الحزب "هو من يمتلك زمام المبادرة على الحدود، وان ما ينفذه من عمليات وهجمات تمثل تحديا ضخما للقيادة الاسرائيلية ولا نستطيع ان نعالجه وحدنا".
ومعلوم انه في صبيحة كل يوم من أيام المواجهة كان الحزب مضطراً الى التذكير بقدراته النارية الصاروخية التي وصفها المحللون الاسرائيليون يوما بانها تعادل "قوة دول اوروبية عدة مجتمعة". وكان اداء الحزب في الميدان دقيقا جدا، إذ تعمّد ان تطاول صواريخه مدينة صفد وشمال حيفا في عمق الجليل بعدما بادر الاسرائيلي للمرة الاولى الى قصف تلال جبل صافي ومليتا في جبل الريحان البعيد عمليا عن مسرح المواجهات الحدودية، وبعدها اعلن انه قصف مرابض المدفعية الاسرائيلية في الجولان المحتل.
وبمعنى أوضح، كان يتعين على الحزب ان يبعث طوال الفترة الماضية برسائل نارية يومية مؤدّاها انه على أتم جهوزية واستعداد للمضيّ قدماً والى اقصى الحدود في المواجهة. وحيال ذلك، فان السؤال المطروح: ألم يكن الحزب يخشى وهو يدير هذه اللعبة ان يُستدرج الى الحرب المفتوحة التي تردد ان بنيامين نتنياهو يسعى اليها لانه يريد توسيع نطاق الحرب في غزة لتمسي مواجهة اقليمية تشارك فيها ايران وتدخل فيها الولايات المتحدة لعله بذلك ينجو من الغرق السياسي القريب؟
عن هذا السؤال تجيب مصادر على صلة بالحزب بالاشارة الى ان القيادة المعنية بإدارة المعركة في الحزب قد وضعت في حساباتها مثل هذا الاحتمال لكنها استشعرت ان التلويح بمثل هذا الخيار يُراد منه إخافة الحزب ومنعه من سلوك الطريق الذي سلكه لدعم "حماس"، وهو تلويح العاجز لاسيما بعد الضربة التي تلقّاها على يد مقاتلي غزة.
وفي كل الاحوال، فان موقف "حزب الله" في اليوم الرابع والثلاثين على حرب غزة ما زال كما كان في يومها الاول: لسنا محايدين في هذه المواجهة ولن نترك "حماس" تُسحق والقطاع يسقط.