كتبت الراي الكويتيه
كأنها «صفعةُ إيقاظٍ» تلقّتْها بيروت من «غفوتها» وغفْلتها عمّا يشكّله ترْكُ أزمتها الرئاسية – السياسية تتمدّد، وانهيارِها المالي يتمادى، وواقعها الأمني يقيم فوق «فوالقَ» محلية بامتدادٍ إقليمي تقف الدولةُ بإزائها في موقع «رفْع العَشرة»، كما تَفَلُّتٍ أهلي بسلاحِ الفرح أو الغضب «الطائش» الذي يحصد ضحايا فقدان سيطرة السلطات الرسمية على مقوّمات أمنها وأمان شعبها والمقيمين على أراضيها.
هكذا جاء وقْع التحذير الذي أصدرتْه السفارة السعودية في بيروت ليل الجمعة – السبت، للمواطنين السعوديين «من التواجد والاقتراب من المناطق التي تشهد نزاعات مسلّحة»، والأهم مطالبتهم «بسرعة مغادرة الأراضي اللبنانية، وأهمية التقيّد بقرار منْع سفر السعوديين إلى لبنان»، والذي أعقبه تحذير الكويت لرعاياها في «بلاد الأرز» بوجوب «التزام الحيطة والحذر والابتعاد عن مواقع الاضطرابات الأمنيّة في بعض المناطق والتقيّد بالتعليمات الصادرة عن السلطات المحليّة المختصّة»، ثم طلب السفارة الألمانية من مواطنيها «تحديث بياناتهم على منصة السفارة والابتعاد عن مناطق الاشتباكات» و«التآلف مع نصائح السفر إلى لبنان والعمل بموجبها».
وما أثار «دهشةَ» أوساط ديبلوماسية في بيروت، أن الخطوة السعودية والكويتية كان لها وقْع المفاجأة في لبنان وعليه، حتى كاد سؤال «شو صاير»؟ الذي غزا مواقع التواصل الاجتماعي، أن يحجب حقيقةَ ما عبّرت عنه تحذيرات الرياض والكويت من إدراكٍ حقيقي لـ«الواقع على أرضه» في الوطن الصغير وبعيداً من العيش «على سحابة صيف» عامرٍ وأضواء ليل لا ينام أريد له أن يكرر تجربة «مساكنة مستحيلة» بين «هانوي وهونغ كونغ»، على ما عبّرت عنه خصوصاً ضوضاء معارك مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين المتعددة البُعد كما الأذرع المحلية – الاقليمية المنخرطة فيها، وبين نهوض سياحي فوق أشلاء واقع مالي – نقدي أدار لبنان الظهر له تاركاً لـ «الثقب الأسود» أن يتّسع.
والمثير للاستغراب أكثر وفق هذه الأوساط، أن السلطات المعنية التي تمعن في «التقاتل على التاتينيك» وسط توسُّل بعض الطبقة السياسية دولاً خارجية لصوغ تسويةٍ رئاسية بشروطه، لم ترَ في اشتباكات عين الحلوة صاعقاً يمكن أن ينفجر بكل محاولاتِ إبقاء لبنان «واقفاً على رجليه» حتى تَبَلْوُر اتجاهات الريح رئاسياً ولا سيما أن المخيم بدا وكأنه يعيش هدوءَ «ما قبل عاصفة نار جديدة» قد يولّدها عدم تسليم قتَلة رأس الهرم الأمني في المخيم القيادي الفتحاوي أبوأشرف العرموشي الذي اغتيل على يد إسلاميين أو أي «كبسة زر» أخرى.
ولا يقلّ دلالةً دفْن «الرأس في الرمال» من السلطات نفسها بإزاء تَقاطُع المعطيات حول أن الضغطَ على زرّ تفجير الوضع في المخيم الأكبر في «بلاد الأرز» تم بخلفيةٍ ترتبط بمسارٍ يُراد له تحجيم حركة «فتح» في أحد أبرز مَعاقلها في الشتات وترْك «إسقاطاتِ» هذا الأمر تتدحْرج على صعيد مفاتيح القرار في السلطة الفلسطينية وإكمال الإطباق عليه وإدخاله بالكامل في مدار النفوذ الإيراني.
من هنا استغربتْ الأوساط عيْنها إغراقَ ما أعلنته الرياض والكويت في أبعاد تتصل بوضْع المنطقة «وتشنجاتها»، في محاولةٍ للتعمية على أمرين:
– مخاطر تظهير فقدان الدولة سيادتها على أراضيها وتَفَشّي مَظاهر الاستباحة لها، وصولاً للمخاوف الحقيقية التي جرى التعبير عنها من أن يكون تحريك فتائل عين الحلوة على هذا النحو اللاهب مقدّمةً لتوسيع رقعة المواجهات إلى المخيمات الـ 11 الأخرى، ولا سيما في ظل الانطباع بأن تبريد الأرض في الحلوة هو على طريقة «استراحة المحارب».
– الخشية الحقيقية من دخول الانهيار المالي مرحلةً من العصف الأعنف، عبّر عنها تحذير رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من عدم القدرة على دفْع رواتب العاملين في القطاع العام (من مدنيين وعسكريين ورجال أمن) نهاية أغسطس الجاري، ما لم يتم التوصل الى تفاهم مع الحاكم الجديد بالوكالة لمصرف لبنان على آليةٍ لاستمرار تمويل الحكومة من بقايا احتياطي «المركزي» لسداد هذه الرواتب بالدولار الفريش على منصة «صيرفة» وإبقاء الدعم على بعض الأدوية لأمراض مزمنة ومستعصية وغيرها من أمور مُلحّة.
«الدعسة الناقصة»
ولم يكن ينقص لبنان لتأكيد «تحلُّل» واقعه السياسي وخروجه عن كل الضوابط تجاه علاقاته مع الخارج، إلا الدعسة الناقصة التي كادت تؤدي إلى أزمة ديبلوماسية مع الكويت، على خلفية تصريحٍ تضمّن «سقطات» في الشكل والمضمون لوزير الاقتصاد أمين سلام، وقال فيه إنه بعث برسالة قبل 3 أسابيع إلى سمو أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، عبر الخارجية اللبنانية، يناشد فيها «باسم الشعب اللبناني إعادة بناء إهراءات القمح»، وأنه بـ «شخطة قلم» يمكن أن تبني الكويت إهراءات لبنان في بيروت وطرابلس، ومعلناً «تواصلتُ مع وزارة الخارجية (في الكويت) وعلمتُ أنه في صندوق التنمية الكويتي هناك أموال موجودة».
وفيما كان لبنان الرسمي يتابع خلفيات التحذيرات السعودية والكويتية لرعايا الدولتين ويحاول احتواءها، وَجَدَ نفسه يسعى إلى لملمة الأضرار التي تسبب بها سلام في ضوء «الغضبة» في الكويت التي بلغت حد إعراب وزير الخارجية الشيخ سالم الصباح «عن استنكار واستغراب الكويت الشديدين لتصريح وزير الاقتصاد الذي(يتنافى مع أبسط الأعراف السياسية)وهو(تدخُّل في الشؤون الداخلية للكويت وقراراتها)»، داعياً سلام«لسحب هذا التصريح، حرصاً على العلاقات الثنائية الطيبة القائمة بين البلدين الشقيقيْن».
وإذ لم تشأ مصادر أمنية رسمية في بيروت التعليق لـ«الراي»على«الأسباب الموجبة»التي دفعتْ السعودية والكويت إلى الإجراء التحذيري لرعاياهما، وأيضاً الإجراء التذكيري من ألمانيا لمواطنيها، لاقت دوائر خبيرة في الأمن والسياسة مقاربة الأوساط الديبلوماسية، إذ عبّرتْ عبر«الراي»عن استغرابها تفاجؤ المسؤولين اللبنانيين بخطوة الرياض والكويت و«كأن أوضاعنا في لبنان على أحسن ما يُرام».
وقالت هذه الدوائر إن من البدهي صدور تحذيرات من الدول حيال السفر والإقامة في لبنان «فغالباً ما تُولي البلدان حرصاً على سلامة رعاياها في مناطق التي تُعتبر غير مستقرة أو عرضة لاهتزازات على غرار ما هو حاصل في بلدنا الذي يعاني فوضى مكتومة يختلط فيها السياسي بالأمني والمالي بالمعيشي، كما الداخليّ بالخارجي».
ورأت الدوائر صاحبة التجربة المرموقة في الأمن السياسي، أن «بلاداً بلا رأس وبلا أفقٍ سياسي وبلا قعرٍ لأزمتها المالية وبلا كوابحَ لجزرِ السلاح غير الشرعي فيها، هي بلادٌ في قلب الفوضى، وليس أدلّ على ذلك من ميني حرب عين الحلوة والتوترات المتوالية على الحدود مع اسرائيل والمعارك شبه اليومية مع تجار المخدرات والكبتاغون إضافة إلى مظاهر التفلت الأخرى».
وإذ بدت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت، أكثر ميْلاً إلى ربْط عموم الوقائع المتحرّكة في لبنان بمناخاتِ التصعيد المتدحرج في المنطقة وفي أكثر من ساحة، فإنها توقفت عبر «الراي» عند ما اعتُبر «تلويحاً» من الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير بالعودة إلى حقبة خطف الرهائن في ثمانينيات القرن الماضي، من بوابة تناوُله مخاطر عدم التصدي لحرق المصحف الشريف في السويد والدنمارك.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تابع نهاراً مع وزيري الخارجية عبدالله بوحبيب والداخلية بسام مولوي، التطورات المتصلة بالبيانات التحذيرية الصادرة عن سفارات السعودية والكويت وألمانيا لرعاياها في لبنان.
وأشار المكتب الإعلامي لميقاتي إلى أنه «بنتيجة البحث مع القيادات العسكرية والأمنية أفادت المعطيات المتوافرة بأن الوضع الأمني بالإجمال لا يستدعي القلق والهلع، وأن الاتصالات السياسية والأمنية لمعالجة أحداث مخيم عين الحلوة قطعت أشواطا متقدمة، والأمور قيد المتابعة الحثيثة لضمان الاستقرار العام ومنع تعكير الأمن أو استهداف المواطنين والمقيمين والسياح العرب والأجانب».
وكلف ميقاتي، بوحبيب التواصل مع «الأشقاء العرب لطمأنتهم الى سلامة مواطنيهم في لبنان».
كما طلب من مولوي «دعوة مجلس الأمن المركزي للانعقاد للبحث في التحديات التي قد يواجهها لبنان في هذه الظروف الإقليمية المتشنجة، واتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الأمن في كل المناطق».
العقوبات الأميركية… بري «في المرمى»
في موازاة ذلك، استعرت التحريات عن آفاق رسالة وجهّتْها لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الى الرئيس جو بايدن لمناسبة الذكرى الثالثة لانفجار 4 أغسطس في مرفأ بيروت، موقّعة من رئيس اللجنة السيناتور جايمس ريتش، واعتبرت أن«على الإدارة الأميركية استخدام كل الوسائل الديبلوماسية المتاحة لتقديم المصالح الأميركية والا سيسقط لبنان في قبضة إيران».
ولفتت إلى «أن ما جرى في الجلسات الأخيرة لانتخاب رئيسٍ لبناني أثبت أن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي هو مجرّد امتداد لحزب الله واستخدم الإجراءات البرلمانية لمنْع انتخاب رئيس للجمهورية».
ورحّبت الرسالة «بالأصوات الصادرة من أوروبا والتي تدعو الى فرض عقوبات على برّي»، مؤكدة «ضرورة مواصلة دعم الجيش اللبناني كونه المؤسسة الوحيدة التي لا تزال قادرة على لعب دور رادع بوجه حزب الله».
وترافق ذلك مع رسالة وجّهها أعضاء مجلس النواب الأميركي داريل عيسى، دارين لحود وماكس ميلر، إلى وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن أعربوا فيها عن «القلق جرّاء الوضع اللبناني المتردّي»، مطالبين الولايات المتحدة باتّخاذ إجراءات حازمة تجاه المعرقلين.
وأوضحوا أنه ولسبب غير مفهوم «يفضّل البعض في البرلمان الحفاظ على الوضع الراهن من أجل مكاسبهم السياسيّة والشخصيّة»، وطالبوا واشنطن بفرض عقوبات، بما في ذلك تجميد أي أصول مقومة بالدولار، وبمن فيهم بري، الذي اعتبروه مُجرَّد امتداد لـ«حزب الله».
ونقل موقع «لبنان الكبير» عن مصادر قريبة من عين التّينة «أن الكيل بمكيالين يدمّر لبنان وديموقراطيته، والدستور هو الفصل والحكَم. يكفي أن الكيد السياسي دمّر المصارف وأحيا الاقتصاد النقدي، ليُدركوا اليوم أنهم أخطأوا… هل سيكررون الخطأ بالإقدام على فرض العقوبات على رئيس بحجم الرئيس بري؟ ساعتئذ ينقلب الوضع رأساً على عقب ويصبح لبنان على غير ضفة، وتبقى في صدر الرئيس بري عبارة تُثلج قلبه… يبلّوا عقوباتهم ويشربوا ميّتها».
«فيتش» تخفض تصنيف لبنان الائتماني بالعملة المحلية إلى حالة التخلف عن الدفع
أكدت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، على التصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملات الأجنبية للبنان عند حالة التخلف عن الدفع المقيدة.
وخفضت «فيتش»، التصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملة المحلية من «CC» إلى حالة التخلف عن الدفع المقيدة «RD». كما خفض التصنيف الائتمائي قصير الأجل بالعملة المحلية من «C» إلى حالة التخلف عن الدفع المقيدة «RD».
وأشارت الوكالة إلى استمرار تقصير سندات «اليوروبوند» حيث لايزال لبنان في حالة التخلف عن سداد دينه الحكومي بالعملات الأجنبية، بعد فشل الدولة السيادية في سداد أصل السندات الدولية المستحقة في 9 مارس 2020.
كما أوقفت الحكومة خدمة مخزونها المستحق من سندات «اليوروبوندز» بانتظار إعادة هيكلة الديون.
ولفتت «فيتش» إلى تنفيذ لبنان البطيء لإصلاحات صندوق النقد الدولي بعد توصل الطرفين إلى اتفاق على مستوى الموظفين في أبريل 2022 في شأن تسهيل تمويل ممدد مدته أربع سنوات بنحو 3 مليارات دولار لدعم برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي والمالي.
وحدد صندوق النقد الدولي، 10 إجراءات مسبقة لازمة للحصول على موافقة مجلس الإدارة. وتم الانتهاء من أربعة إجراءات فقط، بما في ذلك اعتماد ميزانية 2022 في أواخر سبتمبر 2022.
كما اعتمد البرلمان قانون السرية المصرفية، لكن صندوق النقد يقدر أن لبنان لا يفي بمتطلباته ويحتاج إلى تعديل.
وأكدت فيتش: «تم الانتهاء من التدقيق الخاص لصافي الاحتياطيات الدولية لمصرف لبنان ومن المتوقع نشره قريباً».
وتشمل الإجراءات المتبقية ضمن شروط الصندوق، اعتماد البرلمان لتشريع قرارات الطوارئ المصرفية، والشروع في إجراء تقييم لكل بنك على حدة، والموافقة على استراتيجية مالية واستدامة الديون متوسطة الأجل، واعتماد قانون ضوابط رأس المال وحدود سحب الودائع وتوحيد أسعار الصرف.