« يا ألف عيب الشوم...واخجلتاه من الشهداء»


لقد كانت المفاجأة كبيرة وانا أتفقّد تمثال شهداء الوطن وحرمه، قبل دقائق من انعقاد التجمّع الذي دعت اليه نقابة محرّري الصحافة لمناسبة ذكرى شهداء لبنان، كون نسبة كبيرة منهم هم من الصحافيين الذين عُلّقوا على أعواد المشانق، فكانوا كباراً في ارتقائهم، وكان الموت صغيراً أمام عظمة التضحية التي بذلوها وكلّفتهم أعناقهم.

فهذا الموقع الذي يُفترض أن يُحاط بكل مظاهر التكريم، فيُسيّج، وتُزرع من حوله الورود، وأن تكون قاعدته برّاقة لامعة، وأن يكون التمثال نظيفاً، بدا في منتهى الإهمال: القمامة تملأ أرجاءه، وتنبعث منها الروائح الكريهة، والمربّعات التي أُنشئت لتكون احواضاً زاهرة تسوّر التمثال غزاها العشب اليابس والشوك، اما قاعدة التمثال والجدران فحدّث ولا حرج: رسومات تأنف من بشاعتها العين، شعارات لثورات منسوبة إلى بلدات وقرى وزواريب في العاصمة وخارجها مكتوبة بالفحم الاسود، إضافة إلى عبارات خادشة للحياء. اما الطامة الكبرى، فإنّ هذا المعلم هو مقصد السياح، فماذا سيكون انطباع هؤلاء عندما يجدون أنّ تمثال شهداء ومحيطه بمثل هذه الحال المزرية.

ثمة من قال إنّ هناك رغبة في تهميش التمثال والذكرى معاً، لأنّ تأهيل التمثال وموقعه لا يكلّف الخزينة أعباء مالية كبيرة، وهي تكلفة تكاد لا تُذكر، وباستطاعة هيئات او شركة خاصة، أو نقابات متعاونة تحمّلها. مما يعني أنّ وراء الأكمة ما وراءها. ثم أين هي شركة «سوليدير» التي سطت على عقارات الناس بأرخص الأثمان، وبأقل مما تساوي فعلياً ملحقة الظلم والفقر، بأصحاب الحقوق.

هل هناك قطبة مخفية؟ أحد محافظي العاصمة السابقين اخبرني أنّ ثمة قراراً بإبقاء التمثال على هذه الشاكلة، ومحيطه بهذا المقدار من الإهمال. واضاف انّه متيقن من ذلك. ورفض الخوض في المزيد. يكفي ان ننظر إلى البنايات الفارهة التي تنتصب من حول التمثال، وتجعله مجرد تفصيل مقارنة بضخامتها وطولها، لنتبين أنّ ثمة إصراراً على وأد الذاكرة الوطنية الجمعية. كانت ساحة الشهداء في البرج قبل الحرب اللبنانية المعروفة بحرب السنتين، محرّرة من الاختناق العمراني المفتعل، ومفتوحة على وسط العاصمة، بل كانت تشكّل قلبها النابض بالحياة، واستقطابها للمواطنين والسياح من كل البلدان والأجناس والأعراق والمناطق والطوائف.


ماذا تنتظر محافظة بيروت وبلديتها «الممتازة» لتصحيح هذا الوضع الشاذ الذي لا يليق مطلقاً بعاصمة لبنان وشهدائه؟ فإذا كانتا عاجزتين لتصارحا اللبنانيين بذلك، فمن بين هؤلاء من يتطوّع لإصلاح هذا الخلل المعيب، شرط أن يمنحا الراغبين في ذلك الموافقة والحماية. والّا، فسنكون مضطرين للاعتقاد أنّ وراء الاكمة ما وراءها.