أبرز ما تناولته الصحف ليوم الثلاثاء ١٤ آذار ٢٠٢٣



كتبت النهار

  منذ الساعات الأولى للإعلان عن الاتفاق السعودي - الإيراني الذي لم يُكشف عن التفاصيل التي يتضمّنها، وجرى الاكتفاء ببيان - عناوين عامة، انطلقت ماكينة "الثنائي الشيعي" لتروّج ان الاتفاق معناه ان رئاسة الجمهورية في لبنان سوف تعود مرة جديدة لتستقر في حضن محور "الممانعة" الذي رشّح قطباه الشيعيّان النائب السابق سليمان فرنجية لتبوؤ منصب الرئاسة خلفاً للرئيس السابق ميشال عون. واستندت عملية الترويج الى تحليل زعم ان كل المعطيات باتت تصب في مصلحة مرشح "الثنائي" أكان داخليا أم عربيا أم دوليا.

ما تقدم من زعم ليس صحيحا، لا بل انه وهْم كبير. فالاتفاق السعودي - الإيراني لا يعني ان على المحور العربي ان يسهّل أمر استكمال وضع ايران يدها على ما تبقّى من لبنان الحر المستقل. كما ان بند الامتناع عن التدخل في شؤون الدول الداخلية لا يلغي حقيقة مفادها انه اذا كان لـ"حزب الله" حاضنة شعبية لبنانية فانه كتنظيم يشكل ذراعاً لـ"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني. هنا التدخل الإيراني واضح تماما لان قرار "حزب الله" ليس خاضعا لخيارات بيئته الشعبية، بل ان خياراته الكبرى هي خارجية حكماً، وجزء من المشروع الإيراني التوسعي الذي لن يتراجع في الإقليم لمجرد ان الاتفاق مع المملكة العربية السعودية جرى توقيعه في العاصمة الصينية. واذا كان الاتفاق قد تضمّن فترة شهرين لاتخاذ خطوات لبناء الثقة، فليس معناه ان يسارع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى اعتبار ان الفرصة حانت لفرض مرشح "الثنائي" على بقية اللبنانيين. على حدّ علمنا لم يصبح السعوديون والإيرانيون حلفاء، ويقيننا انهم لن يصبحوا كذلك. جُلّ ما في الامر ان قرارا اتُّخذ لـ"تنظيم الخلاف" حيث أمكن، وخفض التوترات حيث أمكن، واذا كان من سبيل فحلّ أزمة حيث أمكن. من هنا لا يستعجلنّ فريق "الممانعة" بالاحتفاء بفرض مرشحه قبل الأوان. ولا يستعجلنّ رئيس مجلس النواب في طرح أفكار جرى استبعادها من قبل، مثل تلك المقايضة المسمومة التي جرى التسويق لها قبلاً، وهي ان تكون بعبدا لـ"الثنائي" والسرايا الحكومية للسياديين والإصلاحيين. هذا فخ كبير سبق ان تحدثنا عنه مرات عدة، وهو غير مطروح على طاولة البحث.

لا بد من وضع الاتفاق السعودي -الإيراني في سياقه المنطقي. فإذا كانت من ساحة ستكون مقياسا لحسن نيات طهران فهي اليمن أولا وقبل أي شيء آخر. لبنان ليس واجهة الصراع، بل احدى ساحات المواجهة بين المشروع العربي والمشروع الإيراني. ولنقل ان التنافس لن يختفي لانه بحسب علمنا ليس هناك من خيار إيراني بالانسحاب من الإقليم العربي. النظام الإيراني لن يتراجع عن مشروعه لانه يعتبره عنصرا وجوديا لبقائه، والمحور العربي لن يسهم بإسقاط ساحات عربية لا تزال على رغم كل العراقيل والضربات الداخلية والخارجية تقاوم المشروع الإيراني التوسعي. ولعل افضل ما يمكن قوله اليوم هو ان لا شيء تغير في المعادلة اللبنانية. لا "الثنائي الشيعي" تغير، ولا القوى السيادية والإصلاحية تغيرت، تماما مثلما حصل في بكين، فلا ايران تغيرت ولا السعودية تغيرت. لقد قرر البلدان تنظيم الخلاف. ونحن هنا مستعدون لتنظيم الخلاف أولاً على قاعدة منع السطو على رئاسة الجمهورية.