كتبت الراي الكويتية :
جعجعةٌ بلا طحين. هكذا تمّ التعاطي في بيروت مع حِراكٍ متعدّد الاتجاه قام به رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على وقْع الأزمةِ الرئاسيةِ المستعصيةِ والتي تكثر على «جبهاتها» المناوراتُ في الوقت الضائع الفاصل عن تبلْور حلٍّ إما بقوة الإنهاكِ السياسي الذي يسابِق اهتراءً مالياً تشظياته المعيشية تتسارع، وإما بفعل «إنزالٍ» خارجي يتخذ شكل تسوية يتعيّن أن تتجاوزَ كل «المتاريس» بين قوى إقليمية ودولية مؤثّرة في الواقع اللبناني.
ورغم أن بيروت ما زالت في «مزاج» عطلة الميلاد «الموصولة» بنهاية السنة، فإنّ ما كشفتْه تقارير عن أن باسيل، الذي كان له عشية العيد لقاء مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، عقد أيضاً اجتماعيْن مع كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية في الأيام الأخيرة، ساهَمَ في إخراج المَشْهد السياسي من الرتابة من دون أن يعكس ذلك وجود دينامية جديدة ذات صلة بالاستحقاق الرئاسي يمكن البناء عليها لتوقُّع اختراقٍ قريبٍ في الجدار السميك
وبحسب أوساط واسعة الاطلاع في بيروت، فإن لقاءيْ باسيل مع كلٍّ من ميقاتي وفرنجية، واللذين تم ترتيبُهما عبر رَجُلِ أعمالٍ سبق أن اضطلع بأدوار إبان تسوية 2016 الرئاسية وما بعدها، كما الاجتماع مع جنبلاط، ليسوا أكثر من «علاقات عامة» واستفاد منهما رئيس «التيار الحر» لإعطاء انطباعٍ بأنه غير معزول وبأنه قادر على «الوصْل» درزياً وسنياً وحتى داخل البيئة المسيحية، وفي الوقت نفسه توجيه الرسائل إلى «حزب الله»، في غمرة التباين العميق بينهما حول الانتخابات الرئاسية، بأن بإمكانه إدارة هذا الملف من ضمن هوامش «خاصة» وحساباتٍ «خالصة» تراعي فقط مصالح التيار ورؤيته للمرحلة المقبلة وموقعه فيها.
واعتبرتْ الأوساطُ أن ما يعزّز الاقتناعَ بأن لقاءيْ باسيل مع ميقاتي وجنبلاط لم يكونا من ضمن مسارٍ منسَّقٍ من «الأخذ والرد» الذي يُفْضي إلى بدء ترميم الثقة والتأسيس لـ «حصادٍ» سياسي ورئاسي، أن رئيس «التيار الحر» لم يُعْطِ مقابلهما شيئاً، بل «فاز بالموعد»، وتَرَك حكومة تصريف الأعمال واجتماعاتها رهينةَ مقاربته لعدم دستورية التئامها في غياب رئيس الجمهورية وربْطه توقيع مرسوم الإفراج عن المساعدة الاجتماعية للأسلاك العسكرية بأن يقترن بإمضاء الوزراء الـ 24، وتَمَسُّكه بعدم توقيع اقتراح تأجيل تسريح رئيس الأركان اللواء أمين العرم (الدرزي) والمفتش العام في المجلس العسكري اللواء ميلاد اسحق اللذين تقاعدا في 24 و25 الجاري.
أما اللقاء مع فرنجية، المرشّح الحقيقي لـ «حزب الله» للرئاسة، فجاءت إشارةُ كونه «اجتماعياً» أكثر منه ذات طابع سياسي، عبر التقارير التي تحدثت عن أن زعيم «المردة» تعمَّد ألا يتطرّق إلى الملف الرئاسي، وهو ما عكس وفق الأوساط المطلعة أن «حزب الله» الذي وضع فرنجية كل «أوراقه الرئاسية» في سلّته لا يدَ له إطلاقاً في اللقاء وأن رئيس «المردة» يحاذر أي «توريط» له في مساراتٍ لا تُبْقي «العِصمة» رئاسياً بيد الحزب.
وما يفاقِم «نقزةَ» فرنجية رئاسياً أن باسيل لم يُعْط أي إشارةِ تَراجُع عن الفيتو المعلَن على انتخابه، وسط معلومات لـ «الراي» عن أن رئيس التيار الحر وفي المفاضلة بين زعيم «المردة» وبين قائد الجيش العماد جوزف عون يختار فرنجية ولكنه يشترط على «حزب الله» وعْداً بأن يكون «التالي» بعد ست سنوات، إلا أن الحزب ليس في وارد إعطاءِ وعودٍ لأحد.
وفي موازاة ذلك، انهمكت بيروت بالتقارير عن ان «حزب الله» سلّم الجيش اللبناني المشتبه به الأساسي بإطلاق النار الذي استهدف آلية لقوة الأمم المتحدة الموقتة أسفر عن مقتل عنصر إيرلندي، وأن تسليمه «جاء في سياق تعاون حزب الله مع التحقيق الذي تجريه مخابرات الجيش اللبناني»، وسط معلومات كشفتها قناة «الجديد» عن أن المتهم هو المدعو «م.أ.ع.» (مواليد 1991)، ويعمل في مجال الحدادة، وهو من بلدة عدلون الجنوبية وأنه جرى تسليمه مع سلاح حربي نوع «كلاشنيكوف».
وأشارت معلومات خاصة لـ «الراي» إلى أن حزب الله سلّم الجيش 3 أشخاص بينهم مطلق النار الأساسي، وأن هؤلاء ليسوا حزبيين بل من المؤيّدين، وأن التحقيقات اقتربت من إكمال بازل ما حصل في العاقبية، وهو ما سيترك ارتياحاً لدى «اليونيفيل» التي لم تمرّ الجريمة بحقها دون محاسبةٍ، ولدى الجيش اللبناني الذي خرج من هذا «الاختبار الحساس» من دون «أضرار» على هيبته وصورته تجاه الداخل والخارج، ناهيك عن ظهور الحزب بمظْهر مَن لا يرغب بالتصعيد ولا يغطّي حدثاً، وإن يكن تم ربْطه به من البعض من باب «التحريض» على القوة الدولية، إلا أنه أكد أن لا علاقة له به وأنه «حادث غير مقصود».
وكان بارزاً أن نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أكد أمس أن «ما حصل مع اليونيفيل هو حادثة موضعية لا تبعية سياسية لها ولا هدف سياسياً منها»، معلناً في سياق آخر أن «لرئيس الجمهورية مواصفات ونحن نريد رئيساً مجرَّباً بالسياسة، وقادراً على التواصل مع الجميع داخلياً وخارجياً وأولويته الإنقاذ الاقتصادي، لا ينحاز ولا يستفزّ ولا يخضع للإملاءات الخارجية».