ابرز ما تناولته صحف اليوم الاربعاء ٢٦ تشرين الاول ٢٠٢٢


كتبت النهار

لأنها من سخرية الأثمان التي ترتّبها الغطرسة السياسية والشخصية أن تأتي آخر الصدمات المخيّبة للعهد العوني في آخر أيامه، من حليفه النظام السوري الأشد سوءا بين أنظمة الطغاة في هذا الزمن، فلا زيادة ولا نقصان على هذه العبرة لمن يعتبر حتى من الذين يبتهجون لرحيله ويفعلون أسوأ مما فعل. ولذا نذهب الى الآتي الأهم من الاستحقاقات المتربصة بلبنان في ظل "سيادة" الفراغ الرئاسي وتحفّز معظم القوى السياسية لمزيد من البهلوانيات المترفة في ظل عهد الفراغ الذي يمنّون به علينا غير آبهين بكل صنوف الكوارث والمآسي التي تضرب عميقا بحياة اللبنانيين.

عادت نغمة الحوار "المستفاق عليه" فجأة، كما استفاق العهد الآفل على تعويم ورقة الترسيم مع دمشق، باعتبارها وصفة لإزالة الانسداد الذي يواجهه الاستحقاق الرئاسي بعد نفاد المهلة الدستورية وانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. لن نستبق مواقف الكتل والزعماء من هذه الوصفة ولا يعنينا التوغل أيضا في دلالاتها وأبعادها وما ومَن يقف وراء اندفاع رئيس البرلمان اليها، إذ إن المجريات التي واكبت شهرين من المهلة الدستورية وأربع جلسات انتخابية حتى الساعة تكفينا وحدها كمواطنين "متلقّين" للخدع التي يراد لنا ان نبتلعها كما ابلعوا اكثريتنا قانونا انتخابيا هو ذروة السوء، لكي نتساءل فورا: متى يتوقفون عن محاولاتهم المكشوفة السافرة للتلاعب بعقول اللبنانيين؟

لقد افتعلت منظومة 8 آذار منذ بدء المهلة الدستورية كل الظروف المانعة القسرية لالتزام استحقاق دستوري رئاسي بما يقتضيه من تنفيذ الأصول الديموقراطية الصرفة على خلفية قرار ثابت لدى "الثنائي الشيعي" تحديدا بمنع انتخاب رئيس جديد لتعذّر إيصال مرشح الفريق "الممانع" بعدما تمزقت عرى محاولاته لتوحيد "موارنة الممانعة" حوله. لم يأبه الثنائي المذكور لأي أولويات تتصل بما صارت عليه صورة لبنان في الخارج لجهة إعادة تصويره دولة فاشلة ومنهارة وعاجزة عن الإيفاء بمتطلبات الإصلاح الجذري الذي يبدأ وينتهي بالحفاظ على التناوب على السلطة، فضرب عرض الحائط بكل هذا وفرض الانسداد على الاستحقاق و"حقق" هدفه في الفراغ الموقت الذي بدأ عهده فعلا ولا ينتظر نهاية العهد العوني. ولن تكون تاليا الدعوة الى "الحوار" البرلماني سوى استهانة مفرطة إضافية بسائر القوى والكتل بعدما نجح الفريق الممانع في فرض وقائع الفراغ كوسيلة استقواء متكررة في ميزان قوى مختل لمصلحة هذا الفريق من خلال لجوئه مجددا الى أسوأ ما ابتدعه من طرائق وممارسات تعطيلية مع حليفه العوني. بذلك كان "التيئيس" الديموقراطي وسيلة فريق "الممانعين" بقيادة الثنائي الشيعي وريادته نموذجا فاقعا لما يسمى الديموقراطية التوافقية التي لم تعد تعني في ظل ميزان القوى القائم والمختل اختلالا فظيعا سوى فرض دفتر الشروط على سائر القوى الأخرى. لسنا في معرض التخفيف ولا قيد انملة من التبعات الهائلة التي تتحملها قوى المعارضة في اخفاقها بسبب "المراهقين الجدد"، عن إحداث توازن سياسي انتخابي ثقيل يفرض نفسه على قوى التعطيل. ولكن قوى المعارضة قدمت من الزاوية الديموقراطية ما يستلزم لحماية النظام كما ما يحول دون الفراغ وكشفت ممارسات الظلاميين الديموقراطيين. ولذا سيتعين عليها، اقله من الناحية المبدئية الإلزامية ان هي قبلت مبدأ "الحوار" الحقيقي لا الاستسلام، ان تضع دفترا شرطه الوحيد في السؤال الآتي: هل تريدون النظام الديموقراطي ناظما متجددا وحيدا لا شريك له للدولة والمجتمع، أم تريدون استباحة ركام لبنان باستقوائكم وسلاحكم وارتباطاتكم؟ فقط.