كتبت النهار
بمرور الشهر الأول اليوم على إجراء الانتخابات النيابية فيما تسجل مسارات الأزمات الداخلية على كل المستويات مزيداً من التفاقم الخطر، ترانا نتساءل متى "يُفتتح" العرض الأخير الذي ستتحفنا به سلطة هذا العهد الذي لا شيء يبشّر به إلا أفوله بعد أربعة أشهر ونصف الشهر لكي نعرف معالم ما يخطّط له وما سيواجهه به الآخرون؟
لا يقف الأمر في ظاهرة التمادي المتعمّد الذي فُطر عليه العهد العوني في تعطيل الاستحقاقات الدستورية وتسخيرها لمنطق فاشل نعتوه بالعهد القويّ، وهو أسوأ صنوف القوة إطلاقاً، عند تأخير الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المكلف. ذلك أن السنوات الست المنصرمة كانت "القالب" المشرع والمقونن لممارسات أريد لها أن تراكم أعرافاً تجعل العهد يعوّض ما دأبت ثقافته السياسية الجامحة نحو الشعبوية على ترسيخه في تصوير "قوّته" التمثيلية "المسيحية" حصراً مصدر "الشرعية" المزعومة لانتهاكات دستورية.
عند مشارف نهاية العهد واندفاعه اللامتناهي مجدّداً الى تسخير "الطلقة الأخيرة" الحكومية في ابتداع تركيبات يعمل رئيس الظلّ جبران باسيل على ملء يوميات الجمهورية البائسة وما آلت إليه في عهدهم بهندسات ابتزاز المرشحين لرئاسة الحكومة ومحاولة فرض أمر واقع سلطوي وحكومي أخير كما يلائم تياره، قد نكون أمام تطوّرات أين من خطورتها مسألة الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل وسائر الأزمات الداخلية الأخرى.
مبعث الخطورة في هذا المسلك السياسي غير المرتدّ حتى في واقع كارثي كالذي يمضي فيه وإليه لبنان، ليس في الرهان العبثي العقيم على "استفاقة حكمة" تحلّ في هذه الذهنية المدمنة على الاستخفاف بتداعيات ألاعيب الانقلابات والانتهاكات الدستورية والتوظيفات الابتزازية فقط، بل أيضاً في احتمال التهاون والتراخي أو عدم قيام الجدار الردعي الحاسم أمام الطلقة الأخيرة بحيث يشكل ذلك انزلاقاً قاتلاً فعلاً نحو واقع مجهول أشد خطراً من الآن.
ولعلنا لا نغالي إن تخوّفنا من أن يكون ثمن عدم قيام جبهة مواجهة عريضة تضم كل القوى السيادية والتغييرية والمستقلين الحقيقيين الذين شكلوا الأكثرية الحقيقية في الانتخابات، تعريض الاستحقاق الرئاسي لخطر فراغ مضاعف بحيث يفتح الباب هذه المرة على عمق أعماق أهداف معظم قوى 8 آذار يتقدمهم العهد الحالي نفسه في تسديد الطلقات الأخيرة الى نظام الطائف وفتح الباب على الغارب على أزمة ذات طابع تأسيسي. لا يعد التخوّف من تحقيق هذا الهدف تهويلاً أو تخويفاً مفتعلاً أمام ميزان قوى وظروف مختلة كهذه في الهزيع الأخير من العهد الحالي ما دام التلاعب بالاستحقاقات يجري عمداً وقصداً ولو كان المتلاعبون يلهون بقنابل موقوتة. ولعل كثيرين ممن عايشوا حقبات سياسية مأزومة أو حربية سابقاً يملكون الكافي من مقاييس المقارنات الخبيرة لكي يدركوا أننا نقف على أعتاب مرحلة لا تبعد كثيراً عن كوارث الحرب مع إسرائيل، ولا عن اندلاع أزمات وجودية كتلك التي قسمت بيروت الى ميدانين عريضين للمسيرات والاعتصامات العملاقة، أو عن حقبة الفراغ الرئاسي "المجيد" الذي لم يضع حداً له سوى فرض عهد نجح نجاحاً مذهلاً في التسبّب بانهيار لبنان.
نقول ذلك باختصار عند مرور شهر على الانتخابات النيابية لأن أي تأخير أو تقاعس أو استسلام في عدم قيام الجبهة النيابية – السياسية – الحزبية – الشعبية المواجهة بكل الوسائل المتاحة للمخطط الذي بدأ يطل برأسه لإخضاع اللبنانيين لأمر واقع انقلابي قاتل سيمنح المحور التي تسبّب بانهيار لبنان فرصته الحاسمة النهائية... وعلى لبنان السلام!