كتبت النهار
مع وصول المبعوث الاميركي آموس هوكشتاين الى لبنان للبدء بجولة محادثات مع الجانب اللبناني حول مسألة الخط 29، يمكن القول ان الديبلوماسية سوف تتحرك بين لبنان واسرائيل بعدما ارتفعت نبرة التهديد من على جانبي الحدود بين كل من “حزب الله” واسرائيل. فبين خطاب الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الذي وضع سلاحه على الطاولة، والردود الاسرائيلية في الإعلام، ولا سيما كلام رئيس اركان الجيش افيف كوخافي يوم الاحد حول ما تعدّه اسرائيل في حال نشوب حرب، بات على الوسيط الاميركي ان يعيد الطرفين الى طاولة المفاوضات التي يمكن ان تحول دون اي انزلاق نحو اعمال عسكرية، وتفتح كوة في معادلة تبادل المصالح بحيث تنتهي المسألة بمقايضة بين حقلَي “قانا” و”كاريش”. فالخط 29 ليس خطا واقعيا بالنسبة الى لبنان. وفي المقابل، فإن الخط 23 الذي يطرح فيه الوسيط الاميركي تقاسماً بين لبنان واسرائيل لحقل “قانا” الذي يعبره ليس ممكنا، وسوف يؤدي الى مضاعفات كبيرة. ولا يتحمل لبنان ان يقبل سوى بالخط 23 مع تعرّج يمنحه كامل حقل “قانا”. من هنا اهمية ان يعمل الوسيط الاميركي وفق معادلة منصفة للبنان واسرائيل على حد سواء. ومن يدري فقد يأتي يوم يُفتح فيه باب التعاون في مجال تصدير الطاقة بين جميع دول شرق حوض البحر الابيض المتوسط.
لكن ثمة معطيات اخرى مقلقة اكثر من الخلاف اللبناني – الاسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية. المنطقة تقف فوق صفيح ساخن للغاية. التوتر يسود من العراق الى لبنان وغزة مرورا بسوريا. فالضربة الاسرائيلية القوية التي وُجهت الى السوريين والايرانيين، مع استهداف مطار دمشق الدولي بشكل لا سابق له، تعكس ارتفاعا في مستوى التوتر بين الاسرائيليين والايرانيين. والامر لا يقتصر على قيام الايرانيين بالتمدد في مناطق سورية تراجع فيها الحضور الروسي بفعل تداعيات الحرب في اوكرانيا فحسب، بل انه على صلة بوصول مفاوضات فيينا الى حائط مسدود، وقيام طهران بالتصعيد بوجه “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” عبر نزع 27 كاميرا مراقبة تابعة للوكالة مثبتة في المنشآت النووية الايرانية. هذا معناه ان السباق بين العودة الى فيينا وإحياء اتفاق 2015 والمواجهة العسكرية انطلق. فأيّ من الاحتمالين سيسود في النهاية؟
معلوم ان الاسرائيليين، وحتى الاميركيين، سيواجهون باستحقاق اتخاذ قرار عسكري كبير حيال ايران، اذا ما تكونت لديهما قناعة حاسمة بأن طهران باتت على وشك انتاج قنبلتها النووية الاولى. وهذا قرار كبير لان المواجهة التي قد تتخذ شكل ضربة جوية كبيرة تدمر ما امكن من منشآت نووية، يمكن ان تتوسع لتصبح حربا اقليمية تشعلها ايران ضد اسرائيل والقوات الاميركية المتمركزة في المنطقة، انطلاقا من كل الساحات التي تملك فيها حضورا عسكريا. واذا ما اخذنا في الاعتبار ان ارتفاع التوتر بشأن الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل قد يكون ذريعة “حزب الله” لتفجير الموقف والزعم بأن المسألة تتعلق بمصالح لبنان وليس بالاجندة الايرانية في المنطقة، فإن لبنان قد يكون المكان الاول الذي ستوجَّه منه رسائل ايرانية عسكرية الى من يعنيهم الامر.
ولا بد للمسؤولين اللبنانيين، وفي المقدمة رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال، من ان يكونوا حذرين جدا وحاسمين بالوقوف في هذه المرحلة بوجه تدخّل “حزب الله” بمقاربة امنية عسكرية في قضية الترسيم. انها مرحلة المخاطر الكبرى، واللبنانيون لا يريدون حرباً جديدة خدمة للآخرين.