ابرز ما تناولته صحف اليوم الاربعاء ١ حزيران ٢٠٢٢


كتبت صحيفة النهار

لو لم تكن أولى التجارب العملية لمقاربة إمكانات قيام تحالفات الضرورة بين مكوّنات الأكثرية الجديدة، على رغم التضارب العضوي الذي يحكم تعدّدية هذه الأكثرية، لما استأهلت إطلاقاً عملية إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري ونائب رئيس مجلس النواب كل هذا الصراخ الفارغ من أيّ بعد وثقل استراتيجي. بدت المعركة ضاجّة بعقم شديد في المحتوى لأن المجلس الجديد وإن كان حمل تغييراً إيجابياً لجهة كسر أكثرية تحالف العهد وقوى 8 آذار، فإنه فقد واقعياً محورية الصراع الأساسي حول ما يشكّل أساس كوارث لبنان أي الصراع السيادي حصراً. ذلك أن ما اختبأ في خلفية مشهد الجلسة الأولى لبرلمان 2022 التي لا ندري كم من اللبنانيين شاهدوها، يثبت أن قانون الانتخاب 2017 طُبّق في الدورة الثانية بحذافيره على رغم كل الشوائب التي اخترقت الانتخابات الأخيرة.

في الدورة الأولى التي أجريت في أيار 2018 طُبّق ذاك القانون الهجين العجيب في ظلّ استمرار الوهج المطلق للصراع بين معسكرين عريضين هما معسكرا 14 آذار و8 آذار، وكانت الغلبة للثاني لأن النتائج ظلت أقرب الى معادلات الانتخابات وفق النظام الأكثري وإن دخلت النسبية ضيفاً للمرة الأولى على النظام الانتخابي اللبناني.

في التجربة الثانية الآن كشف توزّع التكتلات والمجموعات المتعدّدة الاتجاهات في الأكثرية السيادية والتغييرية من جهة والتراجعات القويّة داخل بيئة مكوّنات العونيين وقوى 8 آذار أننا فعلاً أمام تنفيذ أكثر دقة لهذا القانون بما ينطوي على إيجابية أساسية هي كسر الأكثرية السلطوية التي تهيمن على البلد ولكن في مقابل سلبيات ومحاذير لا يمكن تجاهلها بدأت معالمها تتكشف البارحة. أن تكون الأكثرية متاحة وعاجزة هكذا عن ترجمة أكثريتها كما حصل البارحة هي الحصيلة التي يجب ألا تفاجئ أحداً بعد اليوم في واقع انتخابي وسياسي وطائفي معقد ناشئ عن الانتخابات الأخيرة. ومع ذلك فإن هذه الحقيقة ليست مبعث صدمة لنا لأننا نكرّر أن استحقاق ملء المناصب في رئاسة مجلس النواب وهيئة مكتبه ليس استحقاقاً مصيرياً كمثل ما ستكون عليه استحقاقات واختبارات الأكثرية الجديدة في تشكيل الحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية وأكثر وأهمّ في إعادة تأسيس البنية التشريعية لقوانين إصلاحية جذرية تنتشل لبنان من الانهيار الكارثي الذي يغرق فيه تباعاً. لعلّنا لا نغالي إن قلنا إن الاختبار القاتل لم يأت بعد وإن مجريات يوم البارحة برمّتها لم تعن لنا كما لكثير من اللبنانيين الأهمّية الموازية لهذا التضخيم العقيم الذي رافق يوماً تلفزيونياً طويلاً نكاد نجزم بأن مشاهديه كانوا قلة. وإن كان لا بدّ من معاينة نتائج هذا الاختبار فهي تضع أمام القوى التي كانت تشكل تحالف 14 آذار تحديداً حقيقة "متجدّدة" و"محدّثة" تتمثّل في أن الانتخابات النيابية الأخيرة قد جعلت سيطرة وهيمنة "حزب الله" على حليفه المسيحي "التيار الوطني الحر" وشريكه الشيعي حركة "امل" هيمنة شبه مطلقة بعد الانكشاف البنيوي الذي اعترى هذين الحليف والشريك والمساهمة الحاسمة التي تولّاها "حزب الله" لتعويمهما سواء بسواء. ثم إن الوجه الآخر للتجربة يتمثل في تكشف صعوبة أكبر من التوقعات حيال إمكانات الانسجام بين القوى السيادية التقليدية والكتلة النيابية الناشئة من انتفاضة 17 تشرين. بهذا المعنى، بدأ العد العكسي للاستحقاقات الثقيلة ذات الأبعاد الاستراتيجية بحيث نظنّ جازمين أن الصراع داخل البرلمان كما في السياسة الداخلية عموماً سيعود الى أصله على خلفيته السيادية أولاً وأخيراً بأسرع ممّا يتوقع الجميع.