حاصباني لـ الجمهورية: هناك من لا يرغب بسلطة تنفيذية راهناً


لا يبدو أنَّ في المدى القريب ما يدل على حلحلة في العقد السياسية والقضائية والحكومية. فكل الملفات تُطبخ على نار هادئة كأنّ البلاد بألف خير. والوضع المأزوم هذا على الصعد كافة، يدفع المواطن الى حد الكفر بالوطن وبحكامه.

في «الوقت الضائع» يصف نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني المرحلة الراهنة التي يمرّ بها لبنان، ويقول في حديثٍ لـ»الجمهورية» إنّ «اللجان الوزارية التي يجري تفعيل عملها ليس لها أي سلطة تقريرية أو سلطة اصدار مراسم تنفيذية، وبالتالي فإنَّ هناك عملية استفادة من هذا الوقت الضائع لمناقشة بعض التفاصيل بهدف وضع تصورات لرفعها الى مجلس الوزراء عند انعقاده. الا انها لا تعوِّض عن التئام مجلس الوزراء لاتخاذ القرارات ومتابعة العمل المنوط بمجلس الوزراء دستورياً. وبالتالي فنحن في حكم فراغ».



ويوضح حاصباني انَّ «حكم الفراغ بطبيعته يُشبه الى حدٍّ ما مرحلة تصريف الأعمال، لأن الوزراء ما زالوا يعملون في وزاراتهم وهم لا يعملون ضمن النطاق الضيق لتصريف الأعمال وهذا أمر أفضل من حالة تصريف الاعمال بقليل، اذ بإمكانهم اصدار القرارت التنظيمية على مستوى الوزارات ومتابعة أعمالهم كالمعتاد، ولكن تبقى القرارات الاستراتيجية المنوطة بمجلس الوزراء والتي نحن بأمسّ الحاجة اليها في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، غائبة، بما يؤشر الى مسار سلبي متراكم يمكن أن يشتد سوءاً في حال استمر».

 

ما حذَّرنا منه يحصل اليوم، يقول حاصباني، موضحاً أنه «عندما تكون الحكومة مرتبطة بالقوى السياسية تكون عرضة للتشنُّجات التي نراها اليوم والتعطيل وغير قادرة على اتخاذ القرارات السليمة والتي قد تكون شعبية في بعض الاحيان وخاصة قبَيل الانتخابات، ما يُضيف فشلاً فوق فشل الدولة. لذا، لا اعتقد أن باستطاعة هذه الحكومة في الوقت الحاضر أن تقوم بما هو مطلوب منها بغضِّ النظر عن نيَّة رئيسها وعزمه على أن يخطو خطوةً الى الأمام، فهي معطَّلة ومشلولة كلياً بسبب طريقة تشكيلها».

 
وفي غياب النيَّة لإجراء الاصلاحات المطلوبة التي من شأنها انتشال لبنان من ازمته، يشدد حاصباني على أنَّ «كل تأخير بإجراء الانتخابات ينعكس تأخيراً في الاصلاح وهذا مكلف للغاية بالنسبة الى لبنان».

 

وعليه، يفنِّد حاصباني الحلول المطلوبة للانقاذ التي «أصبحت خطوطها العريضة واضحة جداً»، بحسب قوله، بما يضمن عودة لبنان الى وضعه الطبيعي. وتقوم الحلول تلك على «برنامج اصلاحي متكامل لا مجتزأ، كما اعتدنا أن نرى من فترة الى أخرى، يطال القطاع العام أولاً لإيقافِ الهدر والفساد فيه، وذلك عبر تقليص حجمه، في سياق التفاهم المتكامل مع صندوق النقد الدولي».


ولا بد من «أن تشمل الاصلاحات الفورية مختلف القطاعات وأولها قطاع الكهرباء فقطاع الاتصالات الذي بتنا على قاب قوسين أو أدنى من كارثة ستطيح به، اضافةً الى قطاعات أخرى ذات طابع عملي والتي لها وقع كبيرعلى الاقتصاد اللبناني»، دونما الاغفال عن «انشاء هيئات ناظمة للقطاعات كافة تكون مستقلة عن السلطات السياسية لضمان حسن العمل فيها بعيداً من التدخلات السياسية، واعادة هيكلة المصارف ووضع حلول لإدارة وضع النقد وسعر صرف الدولار، وتقليص الاستيراد».

 

كل هذه العوامل، بحسب حاصباني، اذا ما أضيفت الى العامل الاساس المرتبط باستقلالية القضاء وبامتلاك الدولة حصراً لقرار الحرب والسلم، تعيد الثقة بالمستثمر اللبناني وتوطِّد علاقة المجتمع الدولي بلبنان.


وفيما الاحزاب والشخصيات السياسية بدأت تعد العدّة للانتخابات، ماذا سيكون عليه موقف القوات اللبنانية في حال جرى تطيير الانتخابات؟

 

لكلِّ حادثٍ حديث»، يقول حاصباني. ويضيف: «الجميع يعمل على أساس أنَّ الانتخابات قائمة وستحدث وفق موعدها الرسمي. وهناك ضغوط دولية وشعبية داخلية تُمارس لإجراء هذه الانتخابات بعدل وشفافية. نتمنى ألا يحدث المحظور وتؤجّل الانتخابات الى ما بعد مواعيدها الدستورية ويجري التمديد للمجلس النيابي، فهذا الامر إنْ حصل، سيكون مرفوضاً من الكثيرين في المجلس وخارجه، ومن المجتمع الدولي، وسيُدخل لبنان في نفق مظلم لا يمكن التكهُّن الى أي مدى ستصل ظلمته، وبعد ذلك ستكون الكارثة الكبرى!».


وعن الحراك الدبلوماسي الفرنسي على خط الازمة في لبنان، نوَّه حاصباني بالجهود الفرنسية المبذولة لمساعدة لبنان على ترميم علاقاته مع دول الخليج، لافتاً الى «حرص فرنسا على الاهتمام بدعم لبنان وايجاد الحلول لأزماته المتشعِّبة منذ مؤتمر سيدر وغيره من الزيارات والمبادرات. ولكن الدور الفرنسي لوحده لا يكفي إنْ لم يكن هناك دورٌ وطني لبناني ونية جدية في خوض مسار الاصلاحات».

 

ورأى أن «هناك من يستفيد من الانهيار المتراكم الذي يُصيب لبنان، وكل لبناني صريح مع نفسه، انْ قالها او لم يقلها، مُدركٌ لمن يستفيد من الفوضى بفعل الوضع المأزوم داخلياً، فهناك نوع من الالتفاف على ما هو معروفٌ بمبدأ الدولة والمؤسسات ويجري العمل على اختزالها ببدائل سواء مؤقتة او دائمة، لذلك فإنَّ كل من لا يعمل لأجل اعادة الاستقرار الفعلي في لبنان هو المستفيد الأول من هذه الفوضى».


وعن تطورات الكباش السياسي وانعاكسه على واقع السلطة القضائية، يرى حاصباني أنَّ «السلطة القضائية المستقلة والنزيهة والشفافة هي عمود من أعمدة الدولة السيدة القادرة على صون حقوق مواطنيها ولعب دور اساس في المجتمع الدولي. ولكن ما نراه اليوم من ضغوطات وحرب كبرى على القضاء، يدل على أنّه مستهدف فيما عليه ان يكون مستقلاً غير خاضعٍ للضغوطات السياسية التي اذا ما استمرت زادت من عزيمته ولكن في الوقت نفسه كبّلت فعاليته».


وفيما يبدو ان الربط بين استئناف جلسات مجلس الوزراء وتطورات المسار القضائي في قضية مرفأ بيروت يمكن ان يأخذ البلاد الى ما لا تحمد عقباه، يقول حاصباني انَّ «الهدف الأساس ليس القضاء بل هو ايضاً كما يبدو تعطيل لعمل الحكومات المتتالية، وكأنّ هناك من لا يرغب بوجود سلطة تنفيذية فاعلة في الوقت الحاضر». ويختم: «كفانا إضاعةً للوقت».