نذير رضا - المدن
"مين هول؟!" يسأل أحد الزملاء الصحافيين مستغرباً وجود العشرات في مبنى "الاتحاد العمالي العام"، يشاركون في انتخابات نقابة محرري الصحافة التي أجريت اليوم الأربعاء، وهو لا يعرف من هؤلاء "الزملاء" إلا قلّة.
يغلب على الموجودين تقدمهم في العمر، أو لنقُل، من تخطوا حاجز الـ45 عاماً. يغيب معظم الصحافيين الشباب الذين يعرفهم الجمهور الآن، سواء عبر الشاشات أو في مواقع التواصل الاجتماعي، لتكشف هذه الحقيقة الهوّة القائمة بين جيلين، للمفارقة، أحدهما منتسب الى نقابة محرري الصحافة ويشارك في انتخاباتها، والثاني لم يتسنّ له الانتساب حتى الآن.
تظهر الهوّة بشكل كبير في الباحة المتقدمة عن باحة الاقتراع. يجول الزملاء بين المرشحين والمندوبين كأغراب. تحتاج هنا الى دليل يعرّف أبناء الجيل الشاب الى جيل سبقه. سبقه بالخبرة والتجربة، واستطراداً، بالانتساب الى النقابة.
قد يكون الفارق بين الجيلين، أن الأول عُرف بأمساء كتّاب في الصحافة المطبوعة التي أقفلت مئة مؤسسة منها خلال العقود الثلاثة الماضية، ولم يبقَ منها الا 9 مؤسسات. هذا العدد، بطبيعة الحال، ليس كافياً لاستقطاب أكثر من ألف صحافي ينتسبون الى النقابة، وضعف هذا العدد لا ينتسب إليها. وهي واحدة من المعضلات التي تحول دون معرفة الوجوه، وربما الأسماء، فبدت غريبة بالنسبة للجيل الشاب.
هذه القضية، وحدها، كافية لأن تجدد النقابة نفسها. لأن تضخّ دماً جديداً في شرايينها، وهو ما لم يحدث بشكل جوهري خلال الدورتين السابقتين اللتين أفرزتا النقيب الأسبق الياس عون، والنقيب جوزيف القصيفي. كانت الوعود قائمة بتقليص الفارق بين جيلين في نقابة واحدة. أخذ كل منهما الملف على عاتقه، فتحقق جزء من الوعود، بفعل الضغط والإلحاح، وأثمر ارتفاعاً في نسبة الاقتراع اليوم لتصل الى 671 مقترعاً، وهو الرقم الأعلى في تاريخ انتخابات النقابة، لكنه لم يكن كافياً لردم هوّة الاجيال فيها، وحمايتها من الترهّل و"إنكار الوجوه" الذي ظهر بأكثر صوره وضوحاً اليوم.
والحال، لم يعد خافياً أن طيفاً واسعاً من الصحافيين لم يستطع العبور الى النقابة، إما لسبب عائد الى عدم الإيمان بها كجسم قانوني يحمي الصحافيين ويساندهم ويقف الى جانبهم في المنعطفات، وإما لأن فرصة الانتساب غير متاحة. يتصدّر معظمُ هؤلاء الغائبين عن الجدول النقابي، الوجهَ الصحافي للبنان، سواء عبر المنابر الالكترونية التي يتواجدون فيها، أو الشاشات التي يعملون فيها، أو تستضيفهم، وأقل الإيمان في حساباتهم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينشطون. أوجد هؤلاء إطاراً نقابياً موازياً لهم، هو "تجمع نقابة الصحافة البديلة" التي خاضت اليوم الاستحقاق في انتخابات نقابة محرري الصحافة، عبر مرشحة منفردة هي إليسار قبيسي، لتوصل صوت غير المنضمين الى النقابة، اليها، في حال فوزها.
وفيما تتحمل النقابة، خلال العقد الأخير، على الأقل في مرحلة ما بعد النقيب الراحل ملحم كرم، مسؤولية عدم ضخ الدم الجديد، يُفترض أن يكون السبب الآخر للإحجام عن التقدم بطلب انتساب الى النقابة (ضعف الإيمان بدورها) خاضعاً للنقاش، بالنظر الى ان النقابة، أي نقابة، لا تمتلك الآليات التنفيذية وآليات الضغط على السلطات أو أصحاب الصحف (الذين يتواجدون في نقابة منفصلة) في حماية مكتسبات الصحافيين، ولن يكون بوسعها الا التواصل والتدخل مع السلطة، لتتمنى عليها، أو تصدر بيانات تدين الممارسات، وهو ملف يجب أن يجد طريقه الى التغيير بطريقة أو بأخرى، عبر نقاش هادئ، منعاً للقبول بتراجع الدور النقابي، والإمعان فيه.
عند مدخل الاتحاد العمالي العام، يتكرر السؤال: "مين هول؟!" سؤال لا يقتصر على جيلين من صحافيين لا يجمعهما مشترك، فحسب. يتسع السؤال ليطاول المرشحين أيضاً. مرشحون، في معظمهم، غير معروفين للناخبين من الجيل الشاب. تتحمل النقابة مسؤولية عدم التقريب بينهما، وتعريفهما لبعضهما البعض، ومزج دمائهما أيضاً، ما يُبقي النقابة على صورتها القديمة، تلتقط الصور مع المسؤولين في زيارات بروتوكولية ومطلبية، وتفعّل حضورها إعلامياً كل ثلاث سنوات، قبل الانتخابات النقابية.