ابرز المستجدات حتى الساعة.. اليكم!






*📌كل شيئ مختاف عن تركيا*

في مساء مبلّل بالمطر ومضيء بالرجاء، حطّ قداسة البابا لاوون الرابع عشر على أرض الأرز في زيارته الرسولية الأولى خلال حبريّته. هنا، بدا كل شيء مختلفًا عن محطات تركيا: لم تكن صورة الدولة وحدها في الواجهة، بل الكنيسة والشعب والرمز معًا. تفاصيل صغيرة، مدروسة بعناية، صنعت مشهدًا كبيرًا وقفت خلفه لجنة عملت ليلًا ونهارًا، فلم يفلح الطقس العاصف في إطفاء حرارة الاستقبال ولا في تعطيل لغته الروحية.



*📌مطار بيروت: ترابٌ وخبزٌ وملحٌ… وأرزةٌ تُسقى*

إلى جانب البروتوكول المعهود لرؤساء الدول، تقدّم طفلان ناجيان من السرطان من مركز سرطان الأطفال (CCCL)، طوني وسيلين، بباقة ورد وصينيةٍ ضمّت ترابًا من الجنوب، وخبزًا من الجبل، وملحًا من الشمال، ثلاثيةٌ تختصر الوطن أرضًا وعيشًا ووفاءً. ازدانت القاعة الرئيسية بأزهار النرجس البيضاء، رمز الرجاء والتجدّد، وانتشر البخور كصلاة صامتة تسبق الكلمات. وختم قداسةُ البابا هذا المشهد برَيّ شتلة أرز صغيرة، كمن يزرع وعدًا أخضر في تربة اللقاء.


*📌طريق القصر: بشرٌ أقوى من المطر*

من المطار إلى بعبدا، اصطفت حشود غفيرة من شبّان وشابات وطلّاب مدارس ومواطنين من مختلف الفئات العمريّة. المطر اشتدّ، لكن الوجوه ازدادت ثباتًا. لوّح البابا لهم من "الباباموبيل"، فارتفعت الهتافات كأنها نشيد واحد يقول: هذا بلد يريد أن يُرى لا أن يُرثى.


*📌بعبدا: حين تنطق الرموز بأكثر من بيان*

في القصر الجمهوري فرضت غزارة المطر تعديلًا راقيًا: دخولُ قداسة البابا على متن "الباباموبيل"، على إيقاع لوحةٍ فولكلورية تستحضر "دبكة" هياكل بعلبك. وعند سارية العلم أُطفئت الإنارة في الباحة، لينطلق عرض إسقاطٍ ضوئي ثلاثي الأبعاد على الواجهة: سردٌ بصريّ يحكي قصة كل لبناني متجذر في أرضه، قويّ كالأرز، وثابت كمفاتيح الفاتيكان.


*📌المعاني واضحة:*

صورة البابا تأكيدٌ لحضور السلطة الروحية العالمية، الأرزة مرآة الهوية والخلود، الحمام الأبيض ترجمانُ الروحِ والسلام، وشعار الفاتيكان تذكيرٌ بأن للّقاء بعدًا روحيًا ودبلوماسيًا معًا. أمّا الأبيضُ والذهبي فهما لونا الطهارة والمجد، لوحةٌ تقول إن لبنان أرضُ لقاءٍ بين الطبيعة والروح، وبين الدولة والكنيسة، وبين الشرق والغرب.


*📌تبادل الهدايا: هويةٌ تُهدى ورسالةٌ تُصاغ*

التقى قداسة البابا الرئيس جوزاف عون وعقيلته وعائلته. قدّم أحفادُ الرئيس هديةً شخصية: مضربُ كرةِ مضربٍ وكُرات، إشارةً إلى ولع قداسته بهذه الرياضة وممارستِه لها سابقًا. وأهدى الرئيسُ البابا لوحةً فنية تُجسّد أرزة لبنان بتوقيع الفنان نبيل نحّاس، إعلانُ هويةٍ في قالبٍ جمالي. وردّ البابا بميداليةٍ فريدة تجمع القديس شربل إلى جانب الرسول أندراوس، وتحيط بهما سيدة حريصا وأشجار الأرز وجامع السلطان أحمد ومشهد الأجراس: أيقونةٌ مصغّرة عن الجسر الممتدّ بين لبنان وتركيا، وبين الكنائس والأديان. وفي عين التينة، قدّم رئيس مجلس النواب نبيه برّي كتابًا يوثق مسيرة المسيح في الجنوب بقلم كاتبٍ إيطالي، كمن يضع سيرةَ إنسانٍ على دربِ جغرافيا.


*📌توقيع في السجل الذهبي*

دوّن قداسة البابا في السجل الذهبي للقصر الجمهوري: "في اليوم الأول من زيارتي إلى لبنان، أحدِ البلدين اللذين أزورهما في هذه الرحلة الرسولية الأولى في حبريّتي، أتمنى بفرح بركاتٍ كثيرة لجميع شعب لبنان، مصلّيًا أن يسود السلام".

هي عبارةٌ قصيرة تُلخص مشروع زيارةٍ طويلة النفس: سلامٌ يبدأ من الضمائر قبل الساحات.


*📌فارق في الصورة والروح*

إذا كانت محطات أنقرة وإسطنبول قد رسّخت المعنى المسكوني والبعد العالمي للدعوة إلى الوحدة، فإن بيروت قدّمت النسخة اللبنانية لهذه الدعوة: دولةٌ تُحسن التنظيم، وكنيسةٌ تعانق المجتمع، وشعبٌ لا يقهره المطر. هناك برتوكولٌ مُحكم، وهنا بروتوكولٌ بروح حيث التراب والخبز والملح يوازيان النشيد والمدفع، وحيث شتلة أرز تسقى توازي خطبة دولة.


*📌من مطرِ الأمس إلى صلاة اليوم*

أمس، قالت التفاصيل ما لا تقوله الخطب: لبنان قادرٌ أن يجمع الرمز إلى النظام، وأن يحوّل الاستقبال إلى رسالة. وفي اليومين المقبلين، تتجه الأنظار إلى المحطات الروحية والإنسانية المنتظرة: كلمة تصغي إليها القلوب، ولقاءاتٌ تشهد للإنسان في ضعفه وكرامته. ما بدأ مطرًا صار بركة، وما رسم على جدار القصر تكتب ترجمته في الضمائر. على هذه الأرض التي تدعى "أرض الرسالة"، ننتظر أن يفيض السلام من إشارة إلى مسار، ومن شعارٍ إلى خيار. هنا، حيث الأرزة تتجاوز العاصفة كل مرّة، نستعدّ لأن نقول مع البابا: طوبى لفاعلي السلام… وللبنان أن يكون واحدًا من ثمارهم.