د. ليون سيوفي – باحث وكاتب سياسي
تتحرّك القاهرة اليوم على خطوطٍ دبلوماسيةٍ حامية، وكأنّها تُمسك بخيوط نارٍ تتطاير بين الجنوب اللبناني وشمال فلسطين المحتلّة. ما يجري ليس مبادرة عابرة، بل محاولة جادّة لتجنّب انفجارٍ شاملٍ قد يُشعل المنطقة كلّها. غير أنّ السؤال الأعمق الذي يتردّد في العواصم وفي الشارع اللبناني معاً هو، هل باتت الحرب قريبة؟ وهل ما زال حزب الله قادراً على مواجهة إسرائيل بعد كلّ التهديدات والاغتيالات والخسائر؟
مصادر دبلوماسية موثوقة تشير إلى أنّ مصر تتحرّك بتنسيقٍ مع واشنطن وعمّان وبعض دول الخليج، في محاولةٍ لاحتواء التصعيد قبل أن يبلغ مرحلة اللاعودة. فالقاهرة تدرك أنّ أيّ حربٍ على الجبهة اللبنانية ستتجاوز حدود لبنان لتشمل ساحاتٍ عدّة، من البحر إلى البرّ، ومن طهران إلى غزّة. لذلك تحاول أن تُقدّم “هدنةَ إنقاذٍ” تُبقي خطوط النار تحت السيطرة.
لكنّ السؤال الذي لا تجرؤ كثير من العواصم على طرحه علناً هو...هل ما زالت إسرائيل فعلاً تسعى إلى تهدئةٍ، أم أنّها تُراكم ذرائع لعملٍ عسكريٍّ واسعٍ تُبرّره أمام الداخل الغاضب؟
لا شكّ أنّ حزب الله تلقّى ضرباتٍ موجعة خلال الأشهر الماضية، فقد خسر قادة ميدانيين وكوادر متخصّصين، وتعرّضت مراكزه لمئات الغارات الدقيقة. إلا أنّ ذلك لا يعني أنّه بات عاجزاً. فالحزب ما زال يحتفظ بقدرةٍ ناريّةٍ ضخمة، وبترسانةٍ من الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة التي يمكنها تعطيل جزءٍ من الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ولو لفترةٍ محدودة.
لكنّ المواجهة المقبلة، إن اندلعت، ستكون مختلفةً تماماً. فإسرائيل لا تريد حرباً طويلة، والحزب لا يريد انتحاراً وطنياً. لذلك سيحاول كلّ طرفٍ أن يجعل المعركة محدودة في الزمن، ولكن كثيفة في الرسائل...حرب ساعاتٍ أو أيّامٍ لا أسابيع، الهدف منها تثبيت ميزان الردع لا إسقاطه.
الحرب النفسية أخطر من القصف وما يُقلق فعلاً هو الحرب النفسية التي تُشنّ على لبنان.. تهديدات، إشاعات، ومناورات إعلامية تُبثّ لزرع الخوف واليأس في صفوف اللبنانيين. إسرائيل تدرك أنّ الانهيار النفسي أخطر من الانفجار العسكري، لذلك تحاول تفكيك جبهة الداخل قبل أن تبدأ المعركة. وهنا تقع مسؤولية كبرى على الإعلام اللبناني والقيادات الوطنية لتثبيت الوعي ومنع الانهيار المعنوي.
ما ينتظرنا… سيناريوهات ثلاثة...
اولاً هدنة مشروطة.. نجاح التحرك المصري في فرض وقفٍ للنار يشمل لبنان وغزّة، مقابل تفاهمٍ غير معلنٍ حول الحدود والسلاح.
ثانياً تصعيد محدود لعمليات عسكرية متقطّعة تمتد أيّاماً، يُستخدم فيها السلاح الجويّ بكثافة، ثم تتوقف تحت ضغطٍ دوليٍّ عاجل.
او مواجهة شاملة إذا سقط خطّ أحمر كبير، كاغتيال قياديٍّ كبير أو استهدافٍ عميقٍ في الداخل اللبناني، حينها لن تبقى الحرب محدودة.
لبنان اليوم على حافة البركان. القوى الكبرى تحاول منعه من الانفجار، لكنّ أحداً لا يستطيع ضمان أن لا تخرج الشرارة من مكانٍ غير محسوب. حزب الله أمام تحدٍّ وجوديٍّ...كيف يحافظ على توازن الردع دون أن يجرّ لبنان إلى دمارٍ شامل؟ وإسرائيل أمام مأزقٍ سياسيٍّ داخليٍّ يجعلها أكثر ميلاً إلى المغامرة.
القاهرة تُدرك خطورة اللحظة، لكنها وحدها لا تملك مفاتيح القرار. وما لم تُفتح نافذةُ تفاهمٍ إقليميٍّ أوسع، فإنّ المنطقة مقبلة على اختبارٍ قد يغيّر شكلها لعقودٍ قادمة.
