النهار
سواء صح أنها شكلت صفعة مهينة لقيادة الجيش ومن خلفها السلطة الرئاسية العليا للقوات المسلحة، أو إهانة مباشرة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل، فالثابت أن إلغاء الإدراة الأميركية لزيارة قائد الجيش اللبناني لواشنطن أمس شكلت أسوأ انتكاسة مدوية في تاريخ العلاقات اللبنانية- الأميركية. المفارقة الصادمة جاءت في التوقيت الصادم للانتكاسة غداة الاحتفاء بتسلّم ابن بسوس سفير الولايات المتحدة ميشال عيسى مهماته في لبنان، إذ بدا السفير نفسه، وفق ما نقل عنه، أشد الذين فوجئوا بهذا الحدث السلبي. ولكن الخطير في دلالات إلغاء زيارة هيكل أنها عكست مؤشرات متراكمة كانت تتحفّز للانفجار. من أبرزها أن واشنطن لم تكن مقتنعة فعلاً بخطة "الاحتواء" العسكرية التي ينفذها الجيش في جنوب الليطاني، فيما تتعالى المطالبات الأميركية وغيرها بنزع سلاح "حزب الله" ضمن مهلة محددة أقصاها نهاية السنة في كل لبنان. ثم إن مسار العمل في لجنة الميكانيزم كان ينطوي على اهتزازات واضحة، بدليل انفجار غضب واشنطن من موقف قيادة الجيش وبيانها الأخير بتحميل إسرائيل وحدها تبعات عرقلة خطة الجيش واليونيفيل وتجاهل "حزب الله". أما الدلالة الأخطر، فتتمثل في الدور الحاسم الذي يلعبه أعضاء مؤثرون في الكونغرس مثل السيناتور ليندسي غراهام لجهة الضغط الفوري على الإدارة، وهو ما يخشى أن ينسحب على تقنين أو ربما وقف المساعدات الأميركية الأساسية للجيش التي تشكل ما نسبته 90 في المئة من الدعم التسليحي للجيش.
باقتضاب شديد، قال السفير الأميركي ميشال عيسى: "لا تعليق لدي وليس لدي معلومات بشأن إلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن". ولكن على اثر شيوع المعلومات عن إلغاء الزيارة من جانب واشنطن نقلت معلومات إعلامية أن قائد الجيش ألغى الزيارة إلى واشنطن بعدما علم بإلغاء عدد من الاجتماعات.
وأفادت مصادر أميركية أنها تأمل في إعادة تحديد موعد زيارة قائد الجيش إلى واشنطن وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح في حال تسريع عملية حصر السلاح بيد الدولة وغيرها من الخطوات المطلوبة
وكان إلغاء الزيارة حصل قبل ساعات من موعدها، بعدما شنّ عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي هجومًا مباشرًا على قائد الجيش، في خطوة بدت كرسالة قاسية إلى المؤسسة العسكرية اللبنانية. وجاء هذا التصعيد على خلفية البيان الذي أصدرته قيادة الجيش الأحد الماضي والذي تضمّن اتهامًا واضحًا لإسرائيل بانتهاك السيادة اللبنانية وزعزعة الاستقرار وعرقلة انتشار الجيش في الجنوب، وكان آخرها استهداف دورية لليونيفيل. هذا البيان أثار غضب الإدارة الأميركية وأوساط من الكونغرس لعدم تناوله الدور السلبي لـ"حزب الله".
وبالتزامن مع إلغاء الزيارة، أعلنت السفارة اللبنانية في واشنطن إلغاء حفل الاستقبال الذي كان معدًّا على شرف قائد الجيش .
وكتب السيناتور ليندسي غراهام عبر حسابه على "أكس": "من الواضح أن رئيس أركان الجيش اللبناني بسبب وصفه إسرائيل بالعدو، وجهوده الضعيفة وشبه المعدومة لنزع سلاح حزب الله يُمثل انتكاسة كبيرة للجهود المبذولة لدفع لبنان إلى الأمام. هذا المزيج يجعل القوات المسلحة اللبنانية استثمارًا غير مُجدٍ لأميركا".
كما غرّدت السيناتور جوني إرنست: "أشعر بخيبة أمل كبيرة من هذا التصريح الصادر عن قيادة الجيش اللبناني. فالجيش اللبناني شريك استراتيجي، وقد ناقشتُ هذا الأمر مع القائد العام في آب الماضي، وكانت إسرائيل قد منحت لبنان فرصة حقيقية للتحرّر من إرهابيي حزب الله المدعومين من إيران. وبدل اغتنام هذه الفرصة والعمل معًا لنزع سلاح الحزب، يوجّه القائد العام وبشكل مُخزٍ اللوم نحو إسرائيل".
وتحدثت معلومات عن تحويل الملف اللبناني وما جرى مباشرةً إلى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وأصبح في عهدته داخل وزارة الخارجية واللجان المختصة، نظراً لدوره المركزي في إعادة صياغة السياسة الأميركية تجاه لبنان، خصوصاً في ما يتعلق بالمساعدات العسكرية، وبات استمرار التعاون مع الجيش اللبناني مرتبطاً بشكل مباشر بمواقفه في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ملفّ الحدود ونزع سلاح "حزب الله" .
وطغى هذا التطور على حدث انعقاد مؤتمر "بيروت 1" أمس الذي لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، ولا تجمّعاً عابراً للمستثمرين العرب واللبنانيين، بل بدا وكأنه اختبار لقدرة بلد منهك على خوض محاولة جديدة للعودة إلى الخريطة الاستثمارية.
وظهر بوضوح من كلمات الافتتاح، أن الحدث يريد تفكيك صورة لبنان بوصفه دولة تبحث عن معونات، ليقدمه كمنصة تبحث عن شراكات وفرص. فالتقاء صناع القرار والخبراء وممثلي المؤسسات الدولية، والقطاعين العام والخاص تحت سقف واحد، أعاد فتح النقاش حول الدور الذي يمكن أن يؤديه لبنان في مرحلة إعادة رسم خرائط المنطقة اقتصادياً وسياسياً.
وكان أحد أهم عناصر المؤتمر حضور وفود من السعودية وقطر والكويت ومصر والعراق، إضافة إلى المغتربين اللبنانيين. وعلى الرغم من أن هذا الحضور لا يعني التزاماً استثمارياً، إلا أنه يشكل مؤشراً، سياسياً، على استعداد أولي لإعادة الانخراط في الساحة اللبنانية.
وفي كلمته في افتتاح المؤتمر، أكد رئيس الجمهورية جوزف عون البدء فعلياً بمسار إصلاحات حقيقية، قائلاً: "أقررنا قوانين أساسية تعزّز الشفافية والمساءلة، وأطلقنا خطوات جدّية لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس صلبة، تتقدم فيها الكفاءة على المحسوبيات، ويعلو فيها القانون على الاستنساب". وأوضح أن "لبنان يجب أن يستعيد دوره الطبيعي لاعباً اقتصادياً وثقافياً في المنطقة، وجسراً بين الشرق والغرب، ومنصةً للتعامل والتعاون بين الشركات والمستثمرين والمؤسسات الإنمائية". وأضاف: "انفتاحنا ليس شعاراً، هو توجهٌ فعليٌ نحو شراكات جديدة، نحو الأسواق المحيطة، ونحو تعزيز مكانة لبنان في خارطة الأعمال الإقليمية والدولية".
ورأى أن "لبنان الذي نطمح إليه ونعمل لأجله هو منصة استثمارية منفتحة وطموحة، تجمع بين موقع جغرافي استراتيجي، وطاقات بشرية مميزة، وفرص واسعة في قطاعات متعددة"، لافتاً إلى أن "هذه هي الرؤية الوطنية الجديدة التي أطلقها وزير الاقتصاد عامر بساط بالتعاون مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ورئيسه شارل عربيد، وبالتنسيق الكامل مع الحكومة: رؤية واقعية، قابلة للتنفيذ، تستند إلى أرقام وخطط وتوقيتات واضحة".
وتوجّه "إلى كل صديق للبنان، إلى كل مستثمر، إلى كل شريك محتمل"، بالقول: "لبنان لا يطلب تعاطفاً، بل ثقة. لا ينتظر صدقة، بل يقدّم فرصة. وجودكم هنا اليوم هو استثمار في الاستقرار، في الطاقات الشابة، في مستقبلٍ سيكون أفضل إذا سرنا فيه معاً".
من جهّته، أعلن وزير الاقتصاد عامر البساط أن "هذه البداية وإعلان انطلاقة جديدة ومسار جديد لاستعادة الثقة بين الدولة ومواطنيها". وقال: "ندرك صعوبة نقطة الانطلاق وطريق التعافي ستكون صعبة وطويلة، إلا أنّ لبنان يمتلك القدرات"، مضيفاً، "نحن ملتزمون بإعادة بناء الدولة ونريدها أن تكون ذات سيادة وتحمي الضعفاء".
بدوره، اعتبر رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد أن "هذا المؤتمر رسالة واضحة للبنانيين المتأمّلين بوطنهم ولبنان ليس في حالة انتظار بل أنّه ينهض رغم الأزمات"، لافتاً إلى أن "مؤتمرنا إشارة مباشرة إلى أن لبنان فرصة لا أزمة".
في غضون ذلك وقبل يومين من نهاية مهلة تسجيل المغتربين للانتخابات النيابية المقبلة، أصدرت وزارتا الداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين بياناً اعلنتا فيه أنه لغاية تاريخ 18 تشرين الثاني 2025، بلغ عدد الطلبات المسجّلة عبر المنصة الإلكترونية الخاصة بوزارة الخارجية والمغتربين 101355 طلبًا تسلّمت وزارة الداخلية والبلديات منها 65250 طلبًا، ويجري حاليًا العمل على تدقيقها ومطابقتها مع القوائم الانتخابية
