"فرصة تاريخية" طال انتظارها… بشرى لعمّال لبنان!




كشف وزير العمل محمد حيدر مؤخرًا عن أنّ قانون العمل الجديد سيُطرح قريبًا، وسيُنظّم جميع القطاعات بشكل شامل… ويبقى التحدي الأكبر: هل سيضع القانون حدًا للفوضى والاستغلال؟ وهل سيلمس الموظف فرقًا حقيقيًا؟

فرصة تاريخية لإعادة تنظيم سوق العمل

في هذا الإطار، أكد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان، مارون الخولي، في حديث ، أن مشروع تعديل قانون العمل الجديد يشكّل فرصة تاريخية لإعادة تنظيم سوق العمل وحماية حقوق العمال والمؤسسات على حدّ سواء.

وأوضح الخولي أن الموظف سيلمس فرقًا حقيقيًا بين القانون الجديد والقديم، لأن جذور القانون الجديد تقوم على إعادة تعريف العلاقة بين الأجير وصاحب العمل بما يتناسب مع سوق العمل الحديث.

توسّع دائرة الحماية وحقوق العامل

وقال: "أهم فارق أنّ القانون الجديد يوسّع دائرة حماية العامل لتشمل فئات لم تكن مشمولة سابقًا، مثل العاملين عن بُعد، والعاملين عبر المنصّات الرقمية، وبدوام جزئي أو مؤقت، والمتعاقدين خارج أي حماية فعلية".

كما أنّ إلزامية العقد الخطي تشكّل نقلة نوعية، بحيث تصبح حقوق العامل مثبتة وواضحة وغير خاضعة للتقدير أو الاستنساب. إضافةً إلى ذلك، يمنح القانون حماية أكبر من الصرف التعسفي ويضع آليات واضحة لمحاربة التحرّش في مكان العمل، ويربط أي علاقة عمل بالتسجيل الإجباري في الضمان الاجتماعي، وهذا بحد ذاته يغيّر حياة آلاف العمال.

التوازن بين حقوق العمال ومرونة أصحاب العمل

وتطرق الخولي إلى مسألة التوازن بين حقوق العمال وحقوق أصحاب العمل، مشددًا على أن القانون الجديد يسعى إلى خلق توازن تشريعي عادل. وقال: "القانون من جهة يرفع الحماية عن العمال ويمنع الاستغلال، لكنه في الوقت نفسه يقدّم مرونة لصاحب العمل عبر الاعتراف بالعمل الجزئي والمرن والعمل عن بُعد، وهي نماذج يحتاجها أرباب العمل اليوم لخفض الأكلاف وتنظيم الإدارة. بمعنى آخر، القانون لا يهدف إلى إضعاف أصحاب العمل، بل إلى تنظيم العلاقة بطريقة تمنع الفوضى وتحمي الطرفين على حدّ سواء. وهذه هي المعادلة الصحيحة: عمال محميون زائد مؤسسات مستقرة تساوي سوق عمل منتج".

ضرورة القانون الجديد للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي

وعن ضرورة القانون الجديد في هذا التوقيت، أكد الخولي أن الأمر أصبح ضرورة ملحّة، مشيرًا إلى أن سوق العمل تغير بالكامل منذ اعتماد القانون القديم الذي يعود إلى سنة 1946.

وأضاف: "نحن أمام واقع جديد يتضمن عملًا رقميًا، اقتصادًا خدماتيًا متحولًا، مؤسسات تعتمد النماذج المرنة، آلاف العمال خارج الضمان، وتوسعًا هائلًا للعقود المؤقتة والفريلانسرز. قانون العمل القديم لم يعد قادرًا على حماية العامل ولا على تنظيم السوق، والنتيجة كانت فوضى: صرف عشوائي، تهرّب من الضمان، وعقود غير موثقة، واستغلال بعض الفئات الضعيفة".

لذلك، نحن كاتحاد عام لنقابات العمال نقول بوضوح: نريد قانونًا عصريًا يضع حدًا لهذه الفوضى، يرفع كرامة العامل، ويؤمّن للمؤسسة استقرارًا قانونيًا واضحًا. هذا ليس ترفًا… هذا شرط أساسي لبقاء سوق العمل اللبناني.

التحديث القانوني لحظة وطنية مفصلية

وأوضح الخولي أن التحديث القانوني لم يعد مجرد تعديل نصوص، بل يمثّل لحظة وطنية مفصلية تتعلق بمستقبل سوق العمل اللبناني لعقود قادمة. وقال: "لقد أثبتت السنوات الماضية أنّ غياب التحديث القانوني خلق فجوة كبيرة بين الواقع الاقتصادي والإطار التشريعي، وترك العامل اللبناني مكشوفًا أمام الصرف التعسفي، والتهرّب من الضمان، وفوضى العقود، وعلاقات عمل لا تحترم الحد الأدنى من الحقوق".

وتابع: "إن تحديث قانون العمل أصبح ضرورة لحماية الاستقرار الاجتماعي ذاته، لأن أي مجتمع بلا عدالة مهنية وبلا حماية للطبقة العاملة هو مجتمع مهدد بانهيارات متتالية. وفي الوقت نفسه، لا يمكن أن نغفل حاجات أصحاب العمل والمؤسسات التي تعاني من ضائقة اقتصادية ومن تراكم الأزمات، لذلك فإن القانون الجديد لا يأتي ليعاقبهم، بل يمنحهم إطارًا واضحًا يحميهم من النزاعات والالتباسات ويعطيهم مرونة تتناسب مع الاقتصاد الرقمي والعمل الحديث".

دعوة الاتحاد وأفق المستقبل

وأكد الخولي أن الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان يعتبر هذا القانون فرصة تاريخية لإعادة بناء علاقة عمل قائمة على الشراكة والاحترام المتبادل، ولإطلاق اقتصاد أكثر عدالة وأكثر قدرة على خلق فرص العمل.

وقال: "إذا أردنا أن نؤسس لوطن يحترم كرامة أبنائه، يجب أن يبدأ ذلك من احترام العامل، ومن توفير الضمانات التي تمنع الاستغلال وتكرّس العدالة. من هنا، ندعو جميع الكتل النيابية إلى مقاربة هذا الملف بعيدًا عن الحسابات الضيقة، وإلى وضع مصلحة العمال والمؤسسات فوق أي اعتبار سياسي. لبنان بحاجة إلى قانون عمل حديث، لا ليقلّد الدول المتقدمة فحسب، بل ليحمي اقتصاده الوطني ويعيد الثقة بين المواطن والدولة، وبين العامل والمؤسسة".

واختتم الخولي حديثه بالقول: "إقرار قانون عمل جديد وعصري هو شرط أساسي للنهوض الاقتصادي ولتعزيز الصمود الاجتماعي، وهو خطوة طال انتظارها… وقد حان وقتها".