هل بلغ «التحشيد» السياسي والأمني والإعلامي الاسرائيلي خلْف عنوان معاودة حزب الله «تسليح نفسه» و«تعافيه» ذروته؟ وهل يشي ذلك بأن تل أبيب باتت قاب قوسين من «الضغط على زرّ» توسيع عملياتها العسكري في لبنان أو تجديد الحرب الشاملة أم أن هذا من عُدَّة «الضغط الأعلى» لدفْع بيروت للجلوس على طاولةِ تَفاوُضٍ على وهج «كرة نارٍ» بدأ إشعالُ فتيلها؟
هذه الأسئلة فَرَضَتْ نفسها، على وقع «غاراتٍ» بالمواقف توّجها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتزامنت مع تقارير إعلامية «على الموجة نفسها» تُنْذِر بأنّ لبنان يقف على مفترقٍ، فإما مفاوضاتٌ في وقت قريب وبآلياتٍ «فوق عسكرية» لبلوغ حلٍّ مستدام، مدخله امتلاك بيروت «القرار» في ملف سلاح «حزب الله»، بتسليمٍ صعب من الأخير أو بإرادة أصعب لسحبه عنوةً، وإما أن تفتح تل ابيب بالنار كوةً في الجدار المقفل أقلّه لإرساء معادلةٍ شبيهة بما سبق اتفاق 27 نوفمبر الذي علّق حرب الـ 65 يوماً خريف 2024 وتتيح تسويةً تراعي مقتضياتِ «الحل لمرة واحدة وأخيرة» وفي الوقت نفسه الـ momentum الذي تعتبر واشنطن أنه قد لا يتكرر لانطلاق قطار السلام في الشرق الأوسط من... غزة.
ففيما كانت تشظياتُ الاستهدافات الاسرائيلية التي انتقلتْ الى مرحلة أكثر تغوُّلاً، وكان آخَرها في النبطية، تصيب لبنان وسط صمتٍ بإزاء المواقف الصاعقة التي أطلقها الموفد الأميركي توم براك وبدت بمثابة «تغطية» لِما تقوم به تل ابيب في الميدان اللبناني وما قد تقدم عليه، أطلّ نتنياهو معلناً «لن نسمح للبنان بأن يتحول إلى جبهة جديدة ضدنا وسنتصرف كما ينبغي».
وقال نتنياهو «حزب الله بالفعل يتلقى ضربات باستمرار، بما في ذلك في هذه الأيام، لكنه يحاول أيضاً إعادة التسليح والتعافي. نتوقع من حكومة لبنان أن تقوم بما التزمت به، أي نزع سلاح حزب الله، ولكن من الواضح أننا سنمارس حقنا في الدفاع عن النفس كما هو محدَّد في شروط وقف إطلاق النار».
وفي موازاة ذلك، هدّد وزير الدفاع يسرائيل كاتس باستهداف العاصمة بيروت قائلاً «إذا حاول حزب الله إطلاق النار على مستوطنة في الشمال، فسنهاجم بيروت أيضاً»، مشيراً إلى أنه أوصل هذه الرسالة إلى الموفديْن الأميركييْن مورغان أورتاغوس وتوم براك.
وإذ اتهم كاتس الحزب بـ «اللعب بالنار»، حمّل الحكومة والرئيس اللبناني جوزف عون مسؤولية «المماطلة في تنفيذ التزاماتهم» المتعلقة بنزع سلاح الحزب وإخراجه من الجنوب.
وأكد أن إسرائيل ستواصل تطبيق سياسة «الحد الأقصى» في ردودها العسكرية، مشدداً على أنها «لن تسمح بأي تهديد يستهدف سكان الشمال»، داعياً السلطات اللبنانية إلى «تحمّل مسؤولياتها الكاملة لضمان الاستقرار ومنع التصعيد»
ولفت كاتس أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على بيروت لنزع سلاح حزب الله، مشيراً إلى أن إسرائيل تمنح ذلك فرصة، على حد قوله.
وفي السياق نفسه، أكد وزير الخارجية جدعون ساعر أن «إعادة تسليح حزب الله ستكون لها تداعيات خطيرة على أمن إسرائيل ومستقبل لبنان»، لافتا إلى «أن الإرهاب قد ترسخ في لبنان وإزالته ضروري لاستقرار المنطقة وأمنها».
ونقلت قناة «الحدث» عن مسؤول إسرائيلي إنّ «حزب الله بدأ يستعيد قدراته بشكل جدّي، وقد نجح بتهريب مئات الصواريخ قصيرة المدى من سورية»، متحدثاً عن «احتمال أن تكون هناك أيام من القتال النشط ضد حزب الله».
وتابع: «أبلغنا أميركا بأننا سنرد بقوة وسنقصف الضاحية إذا لم يسحب سلاح حزب الله».
وأكد «لن ننسحب من المناطق الـ 5 جنوب لبنان قريباً، ولن نسمح بإعادة بناء القرى الحدودية جنوب لبنان».
الجمعيّات الخيريّة!
وإذ نقلت القناة 13 عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أن «ثمة تقديراتٍ بأن حزب الله استعاد قدراته ونجح في تهريب مئات الصواريخ عبر سوريا»، برز ما أوردته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانيّة عن أنّ «الجمعيّات الخيريّة المدرَجة على قوائم العقوبات والمرتبطة بحزب الله، دأبت على توجيه المتبرّعين إلى إجراء التحويلات الماليّة عبر مزوّدي خدمات الدفع الّقميّة اللبنانيين، الذين لديهم شراكات مع شركات بطاقات دفع أميركيّة» وأن هذه الجمعيات «طلبت من المتبرّعين إرسال الأموال إلى مَحافظ رقميّة تعود لأفراد عاديّين» عبر شركتين في بيروت.
أما صحيفة «وول ستريت جورنال»، فأوردت أن «إسرائيل بدأت تفقد صبرها مع استمرار حزب الله في إعادة تزويد نفسه بالصواريخ، وصواريخ مضادّة للدروع، ومدفعية» وأن «بعض هذه الأسلحة يصل عبر الموانئ البحرية وعبر طرق تهريب لا تزال تعمل جزئياً عبر سوريا رغم ضعفها».
ونقلت عن أحد المصادر ان «حزب الله يصنّع بنفسه بعض الأسلحة الجديدة».
وفي وقت سابق، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن نتنياهو «يجري مشاورات بمشاركة كاتس في شأن محاولات حزب الله إعادة بناء قدراته العسكرية» وأن «الحزب يرمم قدراته الدفاعية والهجومية وتمكن من الحصول على صواريخ قصيرة المدى»، كاشفةً أن«إسرائيل تدرس تكثيف هجماتها في لبنان».
في هذا الوقت، شيعت مدينة النبطية، اليوم الأحد، 5 ضحايا سقطوا خلال نحو 24 ساعة بغارتين اسرائيليتين، بينهم 4 استُهدفوا معاً في بلدة كفررمان (أحدهم كان نجا من تفجيرات البيجر وجُرح).
وقد أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أنّ«الجيش هاجم في منطقة كفررمان، وقضى على مسؤول الدّعم اللّوجستي في قوة الرضوان التابعة لحزب الله كما قتل ثلاثة عناصر آخرين من القوّة».
