كثرت التحليلات والتسريبات والتكهّنات حول زيارة وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي إلى لبنان، وما يمكنها أن تحمل بعد الجولة التي قام بها رئيس الاستخبارات العامة لبلاده حسن محمود رشاد.
في الواقع، جزم المسؤولون الذين التقاهم عبد العاطي، أنّه لم يتقدّم بمبادرة متكاملة، ولم يكن مكلّفاً بتسويق طرح، ولم يحمل إنذاراً إسرائيلياً، ولا معلومات حول حرب حتمية - لأنّ الحرب قائمة - والكلام جارٍ حول رفع وتيرتها أو خفضها. لكنّ عبد العاطي أكّد لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، تأييد الجمهورية المصرية للمبادرة التي أطلقها عشية عيد الاستقلال من مدينة صور اللبنانية الجنوبية، وترتكز إلى نقطتَين أساسيّتَين:
- انسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها وحلول الجيش في هذه المناطق وانتشاره في كل لبنان.
- بدء المفاوضات مع إسرائيل.
تل أبيب لم تُجِب عن هاتَين النقطتَين، ولم تتمكّن الديبلوماسية المصرية لغاية الساعة من الحصول على جواب منها، وذلك على رغم من منطقية هذا الطرح وواقعيّته، إذ ليس فيه ما يتناقض مع مقتضيات السيادة اللبنانية. لكنّ وزير الخارجية المصرية قال إنّ بلاده، بما تمتلك من أدوات ضغط واتصالات مع غير طرف مؤثر من أجل وضع عجلة الحل المنشود على السكة الصحيحة، تواصل محاولاتها، ونقل إلى المسؤولين أجواء غير مطمئنة عن نيّات إسرائيل، ونصح بعدم الاستفزاز والتحدّي، وبضرورة التخفيف من حدّة تصريحات «حزب الله» ضدّ الدولة العبرية، وقال إنّ إسرائيل «لوّعتنا» في غزة، ولا نريد أن ندعها «تلوّعنا» في لبنان. وينقل الجانب المصري أنّ هناك تشديداً إسرائيلياً على «حزب الله» لتجريده من كل أوراقه وعناصر قوّته، بدءاً من نزع سلاحه، وضبط إعلامه وبياناته. وبصريح العبارة، فإنّ إسرائيل أفهمت الجميع أنّها تجاوزت القرار الرقم 1701، وقرار الأمم المتحدة بوقف العمليات الحربية المؤرّخ في 27 تشرين الثاني 2024، ومع حلول هذا اليوم يكون قد انقضى عام واحد على هذا الاتفاق الأممي، من دون إحراز أي تقدّم على الأرض، ولا يوجد إلى الآن أي مؤشر إلى إمكان حصول أي تقدّم، طالما أنّ مطلب تجريد «حزب الله» من سلاحه ووقف حملاته الدعائية له لم يتحقق بعد.
دعا الوزير عبد العاطي إلى تهيئة الأرضية والظروف الميدانية والسياسية، التي تساعد مصر على بلورة مبادرة تكون نقطة التقاء وسط بين ما يطرحه لبنان وما تتمسك به إسرائيل، التي يمضي رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في استغلال ما حققه ميدانياً على الأرض في غزة ولبنان، لفرض شروط غير مقبولة، قاسية وعالية السقف.
لم يقل الوزير عبد العاطي إنّ إسرائيل ستُصعِّد حربها وتوسّع نطاقها الجغرافي، وإنّها ستستهدف العاصمة ومناطق أخرى غير الجنوب، لكنّه أوحى بأنّه خائف جداً، ومتوجّس، وبأنّه ليس قادراً على التنبّؤ بما قد تُقدِم عليه تل أبيب، التي أبقت خياراتها مفتوحة من الحدود الدنيا إلى الحدود القصوى.
الرئيس عون قال لرئيس الديبلوماسية المصرية: «نحن عملنا ما علينا وفق أسس واضحة، وكلما طرحنا مبادرة تواجهنا عراقيل مضادة». إنّ لدى مصر الخبيرة والمتمكنة من شؤون المنطقة، ما يدفعها إلى القلق والخوف، وربما يكون ما قبل زيارة البابا لاوون الرابع عشر غير الذي قبله، لكنّها دفعت بثقلها الديبلوماسي والسياسي لإحداث ثغرة في جدار الأزمة المستعصية، وهي على تنسيق مع السعودية والأردن وعلى تواصل مع واشنطن وباريس. لكنّ الشهية الأميركية على الحل لم يحن أوانها بعد، وربما مستأخّرة، فيما شهية نتنياهو على شراء الوقت بالتصعيد القاتل عصية على اللجم راهناً، في انتظار ما تحمله الأيام الطالعة من تطوّرات ومفاجآت.
