دمٌ واحد...صمتٌ مخزٍ...نداءٌ للوطن قبل فوات الأوان



د. ليون سيوفي — باحثٌ وكاتبٌ سياسي
كلُّما سمعْنا عن شَهِيدٍ جديدٍ يُغتالُ على أرضِنا على يدِ العدوِّ، يزدادُ الحزنُ ويزدادُ الخزيُ أيضاً. لقد بلغَ الصمتُ حدَّه المريب؛ كلُّ يومٍ يضافُ اسمٌ إلى لائحةِ الشُهَداء، وبعضنا يصفّقُ أو يتفرّجُ أو يبرّرُ القاتِلَ لأنّه من «الآخر». أيُّ دمٍ هذا الذي صار يُقسَمُ ويُوزَعُ على طوائفٍ وأحزابٍ؟ وهل أصبحتْ الشهادةُ سلعةً تُقاسُ بمعاييرِ الانتماء؟ هذا الصمتُ الوطنيُّ —ولنقلها بصراحة— خِيَانَةٌ.
لقد اتكأتِ المنظومةُ السياسيةُ والاجتماعيةُ طويلاً على لغةٍ تشرعنُ الصمتَ وتبرّرُ التبريرات، فنشأت مجتمعاً مفككاً، عاجزاً عن أن ينهضَ دفاعاً عن أبنائهِ بالحدّ الأدنى من إنسانيّةٍ وطنية. في زمنٍ لم يكن فيه أحدٌ يتجرَّأُ على استباحةِ دمائنا، كان للحزبِ وزنٌ، وكانَ العدوُّ يحسبُ ألفَ حسابٍ قبلَ أن يُقدِمَ على أيّ اعتداء؛ أمّا اليوم، فها هو العدوُّ يتجوّلُ في سمائنا ويختارُ هدفَه بدقّةٍ ويغادرُ، مطمئنّاً إلى أنَّ الردَّ لن يأتي ليس لعدمِ القدرة فحسب، بل لأنّ الانقسامَ أقوىُ من الإرادةِ الوطنية.
من يقتُلُ اليومَ ليس غريباً عنّا، بل هو ابنُ هذا الوطنِ، يحملُ حبّهُ وآلامهُ وآمالهُ كما الآخرون. ومن يبرّرُ القاتلَ أو يتسامحُ مع الصمتِ يُشرِكُ في الجريمةِ أخلاقياً وسياسياً. لا نريدُ غضباً عَنفياً يدمّرُ ما تبقّى من مؤسساتٍ، بل نريدُ غضباً واعياً يُحوِّلُ الألمَ إلى فعلٍ مدنيٍّ منظَّمٍ وقانونيٍّ يُعيدُ للمجتمعِ كرامته.
نقفُ اليومُ على مفترقِ طرقٍ واضحٍ: إمّا أن نُنهِجَ اليقظةَ والاتحادَ، أو نستسلمُ لتجزئةِ الوطنِ إلى جُزرٍ من الحزنِ والانتقام. لذلكَ نُطالبُ بصراحةٍ وبلا مواربةٍ بما يلي...
نَهْضَةُ مواطنيةٍ فورية، احتجاجاتٌ مدنيةٌ منظمةٌ في المدنِ والبلداتِ، تطالبُ بحمايةِ المواطنِ ومحاسبةِ القاتِلِ مهما كانت هويّتهُ.
محاسبةٌ قضائيّةٌ فوريةٌ وشفّافة...لا هروبَ وراءَ المبرّرات، العدالةُ واجبةٌ الآن، ولا تقادمَ على جريمةِ الصمتِ والسكوتِ عن القتل.
دستورٌ أخلاقيٌّ للمواطَنةِ وهذا ما نفتقده ..إلغاءُ لغةِ الكراهيةِ والتجزئةِ، المواطَنةُ فوقَ الطائفةِ والحزبِ والمنصب.
إعلامٌ مسؤولٌ، مع وقفُ خطابِ التحريضِ والتشفّي، فتحُ مساحةٍ للحوارِ الذي يعيدُ بناءَ الضميرِ الوطنيّ.
مجتمعاتٌ محليّةٌ ومؤسساتٌ أهليّةٌ تُعزّزُ التضامنَ الاجتماعيّ والتعاونَ بينَ المواطنينِ بغضّ النظرِ عن الانتماء.
 لا أطالبُ انتقاماً، بل أريدُ استيقاظاً وطنياً يقطعُ الطريقَ على من يراهنُ على فرقتِنا. العدوُّ لا يفرّقُ بيننا كما نفعل نحن، يرى فينا جسداً واحداً يجبُ تمزيقُه. فإمّا أن نقفَ جميعاً صفّاً واحداً أمامَ هذهِ المحنةِ، وإمّا أن نواصلَ لعبةَ الصمتِ التي تُسهِمُ في موتِ الكرامة.
الوطنُ لا يُبنىُ إلا بالعدالةِ، وبالكرامةِ، وبموقفٍ شجاعٍ يقفُ إلى جانبِ المظلومِ مهما كانت خلفيتُه.
أيّها اللبنانيّونَ من كلِّ الطوائفِ والانتماءاتِ..
عودوا إلى ضمائركم، لا لتندموا بعد فواتِ الأوان. حانَ وقتُ النهوضِ المدنيّ، وقتُ المَطالبةِ بالعدالةِ المسؤولةِ، وقتُ إعادةِ بناءِ هيبةِ الوطنِ فوقَ كلِّ حسابٍ ضيّق.
إعادةُ هيبةِ الوطنِ بلا نكاياتٍ، ولا تنفيذَ مشاريعَ الغيرِ على أرضِنا.
الدمُ اللبنانيُّ واحدٌ، والشهادةُ واحدةٌ، والوجعُ واحدٌ. لا يجوزُ أن يصبحَ نضالُ بعضِنا ذريعةً لصمتِ البعضِ الآخر، ولا أن تُستباحَ أرواحُنا لصالحِ مصالحٍ ضيِّقةٍ . . الوطنُ لا يُبنى إلا بالعدالةِ والكرامةِ والموقفِ الشجاعِ الذي يقفُ إلى جانبَ المظلومِ مهما كانت خلفيّته... 
وببساطةٍ لا لبسَ فيها ، مهما فعلتم فهو لبناني، كما أنت لبناني.