مع أن معالم التسابق بين الأولويات في لبنان أخذ منذ فترة طابعاً لافتاً في ظل احتدام تداعيات ملفات ضاغطة داخلية وأخرى ضاغطة خارجياً، تقدّم ملف استحقاق حسم المأزق المتصل بقانون الانتخاب وتحديداً اقتراع المغتربين على سائر الأولويات الأخرى، وحتى على ملف التفاوض والمخاوف المتصاعدة من الرسائل التي توجهها إسرائيل سواء من خلال عملياتها اليومية والتحليق غير المنقطع لمسيّراتها عن الأجواء اللبنانية، أو من خلال المناورات الضخمة التي تجريها على حدودها الشمالية مع لبنان. ولعل العنصر اللافت الذي برز في الساعات الأخيرة، تمثّل في احتمال حصول اختراق في الحائط المسدود الذي جعل ملف حسم مأزق اقتراع المغتربين يدور في حلقة مفرغة، منذرة باطاحة حق المغتربين في الاقتراع لـ(128) نائباً بعدما حال موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري المانع لإدراج اقتراح القانون العاجل المكرّر المقدم من ممثلي الغالبية النيابية على جدول أعمال جلسة نيابية دون حسم هذا البند الأساسي الحيوي في قانون الانتخاب، فيما ترددت الحكومة بدورها عن التدخل وتركت مع رئيس الجمهورية جوزف عون الأمر للمجلس مكتفين بموقف مبدئي حاسم متمسّك بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها. الاختراق الموعود أو المحتمل برز أولاً في تكثيف التحرك النيابي لقوى الغالبية نحو السلطة التنفيذية لحثّها على التدخل وكسر المأزق لمصلحة الموقف المبدئي والدستوري والطبيعي بالإفساح أمام المغتربين بالانتخاب على قدم المساواة مع المقيمين، وثانياً بمعطيات تفيد بأن إدراج مشروع القانون المعجّل الذي قدمه وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي لإلغاء اقتراع المغتربين لستة نواب فقط سيدرج على جدول أعمال الجلسة التي تلي جلسة مجلس الوزراء اليوم الخميس. وفي حال إدراج المشروع على الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، سيشكّل ذلك رسالة سياسية بارزة للغاية من رئيسي الجمهورية والحكومة، باعتبار أنهما يكونان استجابا للمطالبة المتسعة لإقرار انتخاب المغتربين لـ128 نائباً وعدم ترك المأزق عالقاً، وذلك عبر الاحتكام إلى أحد المخارج الدستورية المتاحة في مثل هذا "الاستعصاء" الذي أحدثه إقفال أبواب مجلس النواب أمام ممارسة دوره الطبيعي والأساسي في التشريع وتعديل القوانين. وستتنقل الأنظار حينذاك إلى مجلس الوزراء الذي يضم واقعياً غالبية وزراية تؤمّن تمرير مشروع القانون المقدم من الوزير رجي بما يثير التساؤل عما إذا كان وزراء الثنائي الشيعي سيكررون تجربة الخروج من الجلسة كما فعلوا في جلسات إقرار حصرية السلاح بيد الدولة
وقد عبّر رئيس الجمهورية جوزف عون لوفد النواب الموقعين على اقتراح قانون تصويت المغتربين عن موقف متقدم، إذ أكد أنه "من حق المنتشرين اللبنانيين بأن يكون لهم الدور التشاركي مع اللبنانيين المقيمين في القرار السياسي اللبناني من خلال صندوق الاقتراع ومتمسكون بمسلمتين أساسيتين: إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ووجوب مشاركة المنتشرين فيها".
وأوضح النائب غسان حاصباني أن الوفد تداول مع الرئيس عون "ضرورة معالجة الخلل القائم في قانون الانتخابات النيابية الحالي، ولا سيّما في ما يتعلّق بحق اللبنانيين المنتشرين حول العالم بالمشاركة في العملية الانتخابية من خلال التصويت للنواب في دوائر نفوسهم. وقد تمنّينا على فخامته الطلب من الحكومة المبادرة، وبأسرع وقت إعداد وإرسال مشروع قانون عاجل بمرسوم إحالة إلى مجلس النواب لتصحيح هذا الخلل، خصوصاً بعد أن كانت الحكومة نفسها قد أشارت سابقاً إلى الغموض والالتباس القانوني الذي يعتري النص الحالي، لا سيّما في ما يتعلق بتوزيع المقاعد الستة المخصصة للمغتربين على القارات. وانطلاقاً من حرصنا على إنجاز الاستحقاق الدستوري في موعده وبشكلٍ شفاف ومتوازن، نناشد فخامة الرئيس تبنّي هذه القضية الوطنية المحقة، لما تمثّله من خطوة أساسية في إعادة الحق إلى اللبنانيين المنتشرين في العالم بالمشاركة في تقرير مصير وطنهم".
وفي الوقت نفسه، فإن رئيس الحكومة نواف سلام اجتمع مع النائب غسان سكاف الذي شرح له حيثيات الاقتراح بتأجيل الانتخابات إلى 15 تموز المقبل "ليتسنى للمغتربين أن يأتوا الى لبنان للمشاركة في الاقتراع، خصوصاً وأنه تلوح في الأفق تسوية لألغاء النواب الـ6 في الاغتراب وتصويت المغتربين لـ128 نائباً في مقر إقامتهم في الخارج".
بدوره، عاود البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من روما تأكيد موقفه من انتخاب المغتربين، فقال إن "كلّنا واحد، وجميعنا نعمل من أجل خدمة لبنان وإعادة إعماره والسلام فيه، والتفاهم والمفاوضات الديبلوماسية والسياسية"، مشددًا على أهمية دور المغتربين، قائلاً إنّه "لا يمكن أن يقتصر على مطالبتهم بمساعدة بلدهم، في حين يُحرَمون من حقهم باختيار نوابهم المئة والثمانية والعشرين".
أما في الوضع العام، فبرزت مواقف جديدة لرئيس الوزراء نواف سلام الذي اعتبر "أن حزب الله يجب أن يمارس نشاطه بشكل طبيعي من دون أن يحتفظ بميليشيا مسلّحة". وشدّد في مقابلة مع مجلّة "باريس ماتش" الفرنسية على ضرورة احترام وقف إطلاق النار مع إسرائيل ونزع سلاح الحزب.
وأشار إلى أن الوضع الحالي يتّسم بـ"حرب استنزاف" على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية تُرهق الطرفين. أما في خصوص التفاوض المحتمل بين لبنان وإسرائيل، فأوضح سلام أنّ "ما نطالب به اليوم هو التطبيق الكامل لوقف إطلاق النار المعلن في تشرين الثاني الماضي، إذ لم ينسحب الإسرائيليون بالكامل بعد". وفي ما يتعلّق بملف نزع سلاح "حزب الله"، أوضح سلام أن الهدف واضح وهو استعادة احتكار الدولة للسلاح جنوب نهر الليطاني خلال 3 أشهر، وقال إنّ ذلك سيتم عبر عملية متعدّدة المراحل تهدف في النهاية إلى تحويل "حزب الله" إلى حزب سياسي من دون جناح مسلّح.
وردّاً على المبادرات الفرنسية لدعم الجيش اللبناني وإعادة إعمار البلاد، عبّر سلام عن أمله معوّلاً كثيراً على هاذين المؤتمرين"، وقال: "جيشنا يفتقر إلى الموارد". كما شدّد على أن المساعدة الدولية ستكون حاسمة في ظل واقع يعيش فيه أكثر من 74% من اللبنانيين تحت خط الفقر.
وفي غضون ذلك، وبعد أيام قليلة من تصريحاته العاصفة الأخيرة، أطلّ الموفد الأميركي توم برّاك مجدداً على المشهد من خلال استذكاره تفجير مقرّ مشاة البحرية الأميركية في 23 تشرين الأول 1983، وعلّق على منصة "إكس" قائلاً: "قُتل 241 من مشاة البحرية الأميركية والبحارة والجنود، و58 عسكريّاً فرنسيّاً، وستة مدنيين لبنانيين عندما دمّر انتحاري ثكنة مشاة البحرية في بيروت، في واحدة من أعنف الهجمات على الأميركيين في الخارج". وأضاف: "نُخلّد ذكراهم بتذكر الدرس: على لبنان أن يحلّ انقساماته ويستعيد سيادته"، مؤكداً أنّه "لا يمكن لأميركا ويجب ألّا تُكرّر أخطاء الماضي".
ميدانياً، تواصل التحليق الكثيف للمسيّرات الاسرائيلية في أجواء معظم المناطق اللبنانية بعدما نفذت مسيّرة إسرائيلية غارة قبل ظهر أمس بصاروخ موجه مستهدفة دراجة نارية على طريق الجبانة القديمة في بلدة عين قانا في منطقة اقليم التفاح، ما أدى الى مقتل عيسى أحمد كربلا. ونشر قسم الإعلام العربي في الجيش الإسرائيلي، أنّ سلاح الجو الإسرائيلي أغار على عيسى أحمد كربلا،" قائد فصيل في قوة الرضوان في منطقة عين قانا، وقام بتصفيته