اخبار الصحف اليوم







النهار 

لم تكن صدمة بليدا فجر أمس التي أودت بموظف مدني في بلدية بليدا على يد جنود إسرائيليين توغلوا إلى البلدة، سوى الطبعة الميدانية المسلطة على لبنان لاختلاط الجانب التصعيدي العسكري مع الجانب الديبلوماسي، بما يترجم ما يعتبره بعض الأوساط المعنية الدفع نحو "السلام بالقوة" الذي رفع شعاراً كبيراً بعد "سلام غزة". ولم يكن أدل على هذه التجربة الصعبة التي يجتازها لبنان من أن "تصعيد الخميس" الذي صار "تقليدا" ميدانياً إسرائيلياً ثابتاً، استعاد أمس الضغوط الميدانية المواكبة لتفعيل وتطوير عمل لجنة "الميكانيزم" بدءاً بجريمة قتل موصوفة لموظف مدني لا ناقة له ولا جمل بأي نشاط ميداني مسلح، علماً أنه قبل أسبوع تماماً حصلت "غارات الخميس" الكثيفة أيضاً على وقع تزامن مع جولة قام بها رئيس لجنة "الميكانيزم" على الرؤساء الثلاثة في اليوم نفسه. بذلك تجزم المعطيات الميدانية كما الديبلوماسية بأن مزيج الضغوط سيبقى يتصاعد حتى بلوغ مخرج تفاوضي يواكب "تزخيم وتكثيف وتسريع" خطة الجيش اللبناني لإنجاز حصرية السلاح، وإلا قد يتطور الأمر إلى تصعيد متدحرج في العمليات الإسرائيلية، علماً أن الرسائل التي وجهت أمس تثير الخشية من ارتفاع التوتر بما ينذر للمرة الأولى بصدام بين الجيش اللبناني والإسرائيليين.
ما يعزّز هذا الواقع معلومات توافرت لـ"النهار" من أن المسؤولين اللبنانيين الكبار يدرسون بجدية طرح مشاركة لبنانية مدنية في لجنة الـ"ميكانيزيم"، شرط أن يؤدي هذا التطور إلى انسحاب إسرائيلي من المساحات والنقاط المحتلة في الجنوب وترتيب المسائل الأمنية مع إسرائيل. وفي المعلومات أن الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس "انتزعت" موافقة أولية تقضي بقبول لبنان بإشراك مدنيين في الـ"ميكانيزيم" وناقشت هذه النقطة بإسهاب مع الرؤساء الثلاثة جوزف عون ونبيه بري ونواف سلام. ورغم ذلك، لم ينضج هذا الطرح في شكل نهائي بعد وهو يحتاج إلى المزيد من الدرس والتحسّب من جوانب عدة، ولم يدلِ الرؤساء بكلمة نهائية في هذا الخصوص.
وأما التطور اللافت الذي حصل أمس نتيجة التوغّل الإسرائيلي إلى بليدا وقتل الموظف العامل في بلديتها ابراهيم سلامة، فبرز في طلب رئيس الجمهورية جوزف عون خلال استقباله قائد الجيش العماد رودولف هيكل "تصدي الجيش لأي توغّل إسرائيلي في الأراضي الجنوبية المحررة، دفاعاً عن الأراضي اللبنانية وسلامة المواطنين". ولاحظ أن "هذا الاعتداء أتى بعيد اجتماع لجنة مراقبة اتفاق وقف الأعمال العدائية "الميكانيزم" التي يفترض ألا تكتفي بتسجيل الوقائع بل العمل لوضع حد لها من خلال الضغط على إسرائيل ودفعها إلى التزام مندرجات اتفاق تشرين الثاني الماضي ووقف انتهاكاتها للسيادة اللبنانية".
واكتسب هذا التطور دلالات بارزة، خصوصاً وأن التقارير الأمنية أشارت إلى أن الطيران الحربي الإسرائيلي أغار على محيط بلدة العيشية مسقط الرئيس جوزف عون بموازاة إعلان موقفه من طلب تصدي الجيش لأي توغّل إسرائيلي، كما حلّقت مسيّرات إسرائيلية فوق بيروت وضاحيتها المتاخمة لقصر بعبدا في تحلّق عدّ بمثابة رسالة تحذيرية سياسية للسلطات اللبنانية.
وكان الرئيس نبيه بري اعتبر "أن ما حصل في بليدا والعديسة والعدوان الجوي صباحاً على أطراف بلدات العيشية والجرمق والخردلي وإنتهاك أجواء العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، هو فعل يتجاوز الاستباحة الإسرائيلية للسيادة الوطنية اللبنانية وقرارات الأمم المتحدة، بل هو عدوان على لبنان لا يمكن لجمه بالإدانة".
وأضاف، "أن اللحظة الراهنة تستدعي من جميع اللبنانيين استحضار كل عناوين الوحدة ودعم فخامة رئيس الجمهورية وموقفه الأخير حيال ما حصل اليوم".
كما أن رئيس مجلس الوزراء نواف سلام اعتبر "أن التوغل الإسرائيلي في بلدة بليدا واستهدافها المباشر لموظّفٍ في البلدية أثناء تأدية واجبه، هو اعتداءٌ صارخ على مؤسسات الدولة اللبنانية وسيادتها". وقال: "كلّ التضامن مع أهلنا في الجنوب والقرى الأمامية الذين يدفعون يوميًا ثمن تمسّكهم بأرضهم وحقّهم في العيش بأمانٍ وكرامة تحت سيادة الدولة اللبنانية وسلطتها. و‏نتابع الضغط مع الأمم المتحدة والدول الراعية لاتفاق وقف الأعمال العدائية لضمان وقف الانتهاكات المتكرّرة وتنفيذ الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضينا".
وكانت قيادة الجيش أعلنت أن إطلاق نار حصل فجر أمس في محيط مبنى بلدية بليدا – مرجعيون، وعلى الفور، توجهت دورية من الجيش إلى المكان، حيث تبيّن أن وحدة بريّة معادية توغلت داخل البلدة، وأطلقت النار على مبنى البلدية، واستهدفت أحد موظفيها ما أدى إلى استشهاده. واعتبرت "أن ما أقدم عليه العدو الإسرائيلي هو عمل إجرامي وخرق سافر للسيادة اللبنانية وانتهاك لاتفاق وقف الأعمال العدائية والقرار 1701، ويأتي في سياق الاعتداءات المتواصلة من جانبه على المواطنين الآمنين". وأشارت إلى أنها طلبت من لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية وضع حد لانتهاكات العدو الإسرائيلي المتمادية، كما تتابع القيادة باستمرار انتهاكات العدو بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة "اليونيفيل
وعصر أمس، رصد تحرك جرافة تابعة للجيش اللبناني في اتجاه منطقة "غاصونة" في أطراف بلدة بليدا للمشاركة في إستحداث موقع عسكري للجيش بعد توغّل القوة الإسرائيلية من هذه المنطقة باتجاه وسط البلدة فجر أمس.
وفي تحرك غاضب، أقدم عدد من أهالي بلدة بليدا على قطع الطريق احتجاجًا على اقتحام الجيش الإسرائيلي مبنى البلدية. وخلال التحرك، مرت دورية لـ"اليونيفيل" في المنطقة، إلا أن المحتجين اعترضوا طريقها وأجبروها على التراجع، كما منعت دوريات عدة لليونيفيل في مناطق أخرى من إكمال دورياتها.
واعترف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بقتل الموظف في البلدية، إذ قال: "في إطار نشاط لقوات جيش الدفاع لتدمير بنية تحتية إرهابية تابعة لحزب الله الإرهابي في منطقة قرية بليدا بجنوب لبنان، رصدت القوات مشتبهًا به داخل المبنى حيث شرعت القوة في الإجراءات الهادفة لتوقيف مشتبه به ولحظة تحديد تهديد مباشر على أفراد القوة تم إطلاق نار لإزالة التهديد وتمّ رصد إصابة. تفاصيل الحدث قيد التحقيق".
وقال إن "المبنى استخدم في الآونة الأخيرة لنشاطات إرهابية لحزب الله الإرهابي تحت غطاء بنية تحتية مدنية".
وقبل الظهر شن سلسلة غارات استهدفت الناقورة ومحيط الجرمق والخردلي والمحمودية.
على الصعيد السياسي الداخلي، بدأت وزارتا الداخلية والخارجية الإعداد للقرار الحكومي الحاسم الذي سيتخذه مجلس الوزراء في جلسته الخميس المقبل حول قانون الانتخاب، إذ عقدت اللجنة المشتركة من الوزارتين اجتماعها الأول صباح أمس في مبنى وزارة الداخلية، بحضور الوزيرين أحمد الحجار ويوسف رجي، وذلك لدراسة تطبيق دقائق أحكام الفصل الحادي عشر من قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب، المتعلق باقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية.
وأفاد بيان مشترك أن الوزيرين "شددا على أنه بمعزل عن النقاشات والاقتراحات القائمة على صعيد مجلسي النواب والوزراء المتعلقة بقانون الانتخاب، والتزاماً بالإجراءات والمهل التي يفرضها القانون النافذ حاليًا، باشرت اللجنة المشتركة اجتماعاتها، على أن تقوم بدراسة المواد المتعلقة باقتراع اللبنانيين غير المقيمين والاطّلاع على التقرير المعد سابقاً في العام 2021، على أن ترفع اللجنة تقريرًا بنتيجة أعمالها. وأكد الوزيران أهمية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها من جهة، وضمان مشاركة فعّالة للبنانيين المنتشرين حول العالم، بما يكرّس حق المغترب في الاقتراع بشفافية وسلاسة، ويعزّز ثقة اللبنانيين في العملية الانتخابية"