سكرتيرة مرسلينو الحرك تُقرّر من يدخل بلدية البترون









طوني الحايك _ موقع basriyadah
قصدت صباح اليوم مبنى بلدية البترون في زيارةٍ هي الأولى من نوعها للقاء رئيسها السيد مرسلينو الحرك. كنت قد زرت المبنى في وقتٍ سابق خلال عملي مستشارًا إعلاميًا لوزير الطاقة الدكتور وليد فياض، وذلك بناءً على دعوة من صديقي المدير العام لوزارة الاقتصاد الدكتور محمد أبو حيدر، للمشاركة في اجتماعٍ خُصّص آنذاك لمناقشة أوضاع أصحاب المولّدات وبعض التجار في المنطقة. غير أنّ ما جرى اليوم كان مختلفًا تمامًا عن تلك الزيارة الرسمية. فما إن دخلتُ مبنى البلدية حتى استقبلتني موظفة الاستقبال، التي تبيّن لاحقًا أنها سكرتيرة الرئيس. لكنّ المفاجأة كانت في ردّة فعلها غير المتوقعة، إذ بادرتني بالقول إنني لا أستطيع مقابلة الرئيس لا بموعدٍ ولا من دون موعد، مبرّرةً ذلك بأنني “كتبتُ على تطبيق واتساب منشورًا عن الأملاك العامة وذكرتُ فيه اسم الرئيس مرسلينو الحرك”. ثم أنهت حديثها بالعبارة: “فتفضل”. أجبتها بكل هدوء: “أوكي”، وغادرت المكان. هذه الحادثة، وإن بدت بسيطة في ظاهرها، تطرح أسئلة جوهرية حول آلية التعاطي داخل مؤسساتنا العامة، وحول حدود صلاحيات الموظفين الذين يمثلون واجهة الإدارة أمام المواطنين. فإذا كانت سكرتيرة الرئيس هي من تحدّد من يحق له مقابلته ومن يُمنع من ذلك، دون العودة إليه، فهذه إشكالية إدارية واضحة. أما إذا كان الرئيس نفسه على علم بما جرى، فالمشكلة تصبح أخلاقية وإدارية في آن، لأن البلدية ليست ملكًا شخصيًا، بل مرفق عام مفتوح أمام جميع أبناء المدينة، بمن فيهم من يختلفون مع رئيسها في الرأي أو الموقف. لقد شيّد السيد مرسلينو الحرك مبنى البلدية وأسّس مشاريع كثيرة في البترون، وهذا ما يُحسب له، لكن من الخطأ أن يتحوّل هذا الصرح العام إلى ميدان مغلق لا يدخله إلا المقرّبون أو من يُظهرون الولاء. فالمؤسسات تُقاس بانفتاحها على النقد واستعدادها لسماع الرأي الآخر، لا بعدد المؤيدين الذين يحيطون برئيسها. ولعلّ ما يدعو إلى التأمل، أن حادثة اليوم أعادت إلى ذهني مشهدًا قديمًا من بلدتي بجدرفل، حيث كان أحد أقاربي يضع شخصًا على باب بيته يقرر من يُسمح له بالدخول ومن لا. كان المعيار بسيطًا: “اللي بيحبّنا بيفوت، واللي بينتقدنا بيضلّ برا”. واليوم، ذاك القريب يعيش في بلاد الاغتراب، بعيدًا عن بيته وأرضه، ولعل في ذلك عِبرة. إنّ النقد لا يعني العداء، والاختلاف لا يُفترض أن يُقابل بالإقصاء. من يحبّ فعلاً مدينته، يسمع الجميع — حتى من ينتقده — لأن البناء لا يكون إلا بالحوار والانفتاح. أما من يغلق أبوابه أمام أبناء منطقته، فمهما شاد من أبنية ومشاريع، سيبقى ما بناه ناقصًا إن لم يكن قائمًا على الاحترام المتبادل.