في فضيحةٍ جديدة تُضاف إلى سلسلة الارتباكات التي تطال قطاع الكهرباء، برزت معلومات خطيرة تتعلق بمشروع العدّادات الذكية الذي أطلقته مؤسسة كهرباء لبنان ضمن مرحلة “التجربة” لاختيار النظام الأنسب للجباية. إلا أنّ ما كُشف مؤخرًا يثير الريبة والقلق، بعدما تبيّن أنّ بعض الشركات المتعاقدة أو المقترحة لتنفيذ المشروع مرتبطة بعلاقات تجارية وتقنية مع جهات إسرائيلية.
فبحسب مضمون تقريرٍ مصوّر تداوله عدد من الخبراء، فإنّ العدادات التي نُصبت تجريبيًا في مناطق مختلفة من لبنان — من عرمون إلى عين الرمانة، مرورًا بالشمال والبقاع — تعمل بنظام يعتمد على برمجيات (Software) قادرة على جمع وتحليل البيانات وإرسالها لاسلكيًا عبر بطاقات GSM متصلة بخطوط هاتف أو شبكات اتصالات محلية، ما يعني عمليًا إمكانية الوصول المباشر إلى قواعد بيانات المستهلكين من خارج البلاد.
وأظهر التقرير أنّ مؤسسة كهرباء لبنان وافقت في البداية على تركيب عدّادات لعدة شركات تحت عنوان “التجربة”، قبل أن يتبيّن لاحقًا أنّ ثلاث شركات من بين المرشحين هي إسرائيلية المنشأ أو على ارتباط مباشر بشركات إسرائيلية. ووفقًا للمعطيات، فقد وجّهت المؤسسة كتابًا رسميًا إلى وزارة الاقتصاد للاستفسار عن طبيعة هذه الشركات، فجاء الردّ ليكشف أن إحداها — وهي شركة فرنسية — ترتبط باتفاق تعاون مع شركة Elbit Systems الإسرائيلية المتخصصة في الأنظمة الدفاعية والطائرات من دون طيار، فيما ثبت أن شركتين أميركيتين أخريين تربطهما علاقات تعامل مع مؤسسات إسرائيلية، ما يشكّل مخالفة صريحة لقوانين المقاطعة ومصدر تهديد أمني محتمل.
الخبير الذي ظهر في التقرير حذّر من أنّ “البرمجيات المستخدمة قادرة ليس فقط على قراءة العدّادات والتحكم بالأمبيراج، بل أيضًا على تحليل كل البيانات وتخزينها في أنظمة قابلة للاختراق”، مشيرًا إلى أنّ “وجود نحو ثلاثة آلاف عدّاد تجريبي موزّعين على مختلف المناطق يشكّل ثغرة فاضحة، خصوصًا إذا تمكّنت هذه الشركات من النفاذ إلى الداتا المتعلقة بأسماء السكان وأوقات وجودهم في منازلهم وأنماط استهلاكهم”.
أما الأخطر، فهو ما كشفه التحقيق من أن هذه العدادات ما زالت تعمل فعليًا في الخدمة اليومية تحت غطاء “التجربة”، وسط تساؤلات كبرى حول مدى سلامة البيانات التي تم جمعها خلال الأشهر الماضية، وإلى أين انتقلت، ومن يملك اليوم صلاحية الاطلاع عليها.
وفي حين التزمت مؤسسة كهرباء لبنان الصمت حيال ما تسرّب من معطيات، تتعالى الأصوات المطالبة بفتح تحقيق قضائي وأمني عاجل، لتحديد المسؤوليات ومراجعة كل العقود والبرمجيات المستوردة ضمن هذا المشروع، حمايةً لما تبقّى من خصوصية اللبنانيين وأمنهم المعلوماتي.
فهل تتحوّل العدادات الذكية إلى أدوات تجسس “ذكية” داخل بيوت اللبنانيين؟
سؤالٌ برسم كل من يعنيهم أمن الوطن وكرامة المواطن.